إثيوبيا: أبعاد الحرب بين الجيش وقوات "فانو" الأمهرية
وكالة أنباء الأناضول، 9 أغسطس 2023
انحدرت الأوضاع الأمنية في إقليم أمهرة الإثيوبي إلى مستويات خطيرة بعد أن سيطرت مليشيا فانو الأمهرية على عدة مدن ومناطق في الإقليم، أشهرها مدينة لاليبيلا التاريخية ومطارها، ما أدى إلى اشتعال قتال بالأسلحة الثقيلة مع الجيش الفيدرالي، وإعلان الحكومة لإعلان حالة الطوارئ.
فالمناوشات المحدودة التي اندلعت منذ أشهر بين الجيش و”فانو”، سرعان ما تحولت خلال الأيام الأخيرة إلى حرب حقيقية، أشبه بتلك التي خاضها رئيس الوزراء آبي أحمد، بدعم من فانو، ضد “جبهة تحرير تيغراي” ما بين 2020 و2022.
وهذه الأوضاع المضطربة لم يعد بإمكان حكومة آبي أحمد تجاهلها لفترة أطول، إذ أقر نائب رئيس الوزراء دمقي مكونن، بأن “المشكلات الأمنية في مناطق مختلفة من أمهرة صارت مقلقة”.
وقال مكونن، في تعليق نادر له على الأوضاع في الإقليم، “نحن في لحظة تاريخية يجب فيها أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أنه إذا لم يكن لديك سلام فستفقد كل شيء”.
فأمهرة، الإقليم الرئيسي الذي يعتمد عليه آبي أحمد في حكم البلاد، بعد طرد التيغراي من السلطة، التي استحوذو عليها ما بين 1991 و2018.
وهايلي سيلاسي، آخر أباطرة إثيوبيا (1892 -1975) تتحدر عائلته من أمهرة، كما أن والدة وزوجة آبي أحمد من الأمهرة أيضا، رغم أن والده من الأرومو أكبر عرقية في البلاد، لكنها مهمشة، وتشهد تمردا محدودا.
لذلك يمثل تمرد إقليم الأمهرة على سلطة آبي أحمد، مأزقا عميقا، لا يقل خطورة عن تمرد التيغراي، باعتبارهما العرقيتان الرئيسيتان اللتان تداولتا على حكم البلاد طيلة قرون قبل حتى حكم النجاشي للحبشة (عاصمتها مدينة أكسوم في إقليم تيغراي).
أسباب تمرد “فانو” على حكومة آبي أحمد
تعتبر “فانو” نفسها القوات الخاصة لإقليم أمهرة، وشاركت بشكل فعال في دعم القوات الحكومية في قتال متمردي جبهة تحرير تيغراي، إذ مثلت الحليف الرئيسي لأبي أحمد في تثبيت حكمه في البلاد.
لكن تزايد نفوذ فانو، والمليشيات الأمهرية، أصبح يقلق آبي أحمد، الذي يؤمن بالحكم المركزي للبلاد، بدل الحكم الفدرالي الذي يقسم البلاد لـ11 ولاية، تضم عرقيات وديانات مختلفة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، أصدر آبي أحمد، أوامره بدمج المليشيات المسلحة في جميع الولايات في الجيش أو الشرطة أو الحياة المدنية.
وعارضت “فانو” كبرى المليشيات الأمهرية، هذا القرار، واعتبرت أنه يستهدفها بشكل رئيسي، وشاركت في المظاهرات التي اندلعت في مدن الإقليم ضد قرار آبي أحمد.
المدن والمناطق التي وقعت فيها الاشتباكات بين الجيش وفانو
أخذت الأوضاع في أمهرة أبعادا خطيرة بعد اغتيال رئيس حزب الازدهار (الحاكم) في أمهرة “جيرما يشيتيلا”، في 27 أبريل، رغم أن الحكومة لم تنجر بسرعة نحو هذه الاستفزازات.
وبدأ التمرد الفعلي لفانو، التي لا تملك قيادة محددة، عندما رفض عناصرها تسليم أسلحتهم خاصة الثقيلة منها، وبدؤوا ينتشرون في بعض البلدان والمدن، ويشتبكون مع قوات الأمن والجيش بشكل محدود.
لكن الأمور تعقدت بعد الكمين الذي استهدف رحلة لكبار قادة الناحية الشمالية الغربية، والتي مركزها غوندور، ثاني أكبر مدينة بالإقليم بعد بحر دار، إلى منتجع سياحي، في 26 يوليو/تموز المنصرم.
ومع انضمام عدة مليشيات أمهرية إلى فانو، غيرت الأخيرة تكتيكها القتالي، وانتقلت من نصب الكمائن وحرب العصابات إلى الاستيلاء على المدن.
وأطلق الجيش عملية عسكرية لاستعادة المدن التي سيطرتها عليها فانو والمليشيات الأمهرية، على غرار مدينة بورن، في الشمال الشرقي لأمهرة، بالقرب من الحدود مع إقليم تيغراي، لكن فانو زحفت على مدينة لاليبيلا التاريخية والمقدسة لدى المسيحيين الشرقيين، واستولت عليها وعلى مطارها.
ولطالما كانت لاليبيلا، مركزا للصراع والحروب بين الأمهرة والتيغراي، الذين يدينون بالمسيحية، نظرا لموقعها الاستراتيجي المرتفع، وأهميتها الدينية وكنائسها المنحوتة على الحجر والمصنفة ضمن التراث العالمي.
وإلى جانب غوندور وبورن ولاليبيلا، شهدت مدينة دبري تابور، الاستراتيجية الواقعة شرق بحيرة تانا منبع نهر النيل الأزرق، اشتباكات بين الجيش والمليشيات الأمهرية.
تداعيات الحرب على إثيوبيا ودول الجوار
يتوسط إقليم أمهرة إقليمي تيغراي في الشمال، وأورومو في الجنوب، وبينهما خصومات ونزاعات طويلة على السلطة والحدود داخل الدولة الواحدة، لكن أمهرة لديها حدود أيضا مع إقليمي العفر في الشرق (تعود أصولهم لشبه الجزيرة العربية) ووبني شنقول في الغرب (من أصول سودانية).
وللإقليم حدود مع السودان، حيث تقوم المليشيات الأمهرية بالتوغل في منطقة الفشقة السودانية لاستغلال أرضها الخصبة في الزراعة، ما تسبب في وقوع عدة اشتباكات مع الجيش السوداني، بالتزامن مع حربه الداخلية ضد قوات الدعم السريع (شبه عسكرية).
فتمرد فانو، من شأنه أن يدفع مليشيات مسلحة في ولايات أخرى على غرار العفر، الذين أثبتوا شراستهم في القتال خلال حرب التيغراي، إلى رفض نزع أسلحتهم والاندماج في الجيش والشرطة، والأمر ينطبق على بقية المليشيات في الولايات الأخرى.
كما أن الجيش الفيدرالي منهك من حربه ضد التيغراي، الذين أسقطوا عدة مدن في أمهرة واقتربوا من الوصول إلى العاصمة أديس أبابا، وخوضه حرب جديدة ضد فانو، قد يغري جبهة تيغراي لنقض اتفاق السلام مع آبي أحمد، والعودة إلى القتال، سواء منفردة أو بتنسيق مع أعدائها التاريخيين (الأمهرة).
وعلى الجبهة السودانية، من شأن انشغال فانو بالحرب مع الجيش الإثيوبي إشغالها عن دخول معارك مع الجيش السوداني في إقليم الفشقة، لكن احتدام القتال في أمهرة، من شأنه أن يؤدي إلى فرار آلاف اللاجئين إلى شرق السودان، والذي يعد أكثر جهات البلاد أمانا، لكنه سيزيد من الأعباء على بلاد يحتاج أكثر من نصف سكانها إلى المساعدات الإنسانية.
والمسؤولون الإثيوبيون يدركون خطورة تمرد فانو على وحدة البلاد، وإمكانية تفككها وقيام دول جديدة على أرضها، أو انضمامها إلى دول أخرى تربطها بها روابط عرقية وقبلية، مثل إقليم الصومال، وإقليم بني شنقول (السودان)، وإقليم العفر (جيبوتي)، وإقليم غامبيلا (جنوب السودان).