أمنيةأوراق و دراسات

الهندسة الإفريقية للسلام والأمن ـ تجارب وخبرات

الباحث: كريكرة أسامة

تتناول هذه الدراسة اختبار وتقييم الآلية الإفريقية لإدارة الأمن والسلم في إفريقيا (APSA)، ومدى استجابة هذه الآلية للمشكلات الأمنية التي تعيشها القارة الأفريقية حاليا، و ذلك بالاعتماد على الهياكل الفرعية المكونة لهذه الآلية، وتقييم ما يطلق عليه خارطة الطريق APSA 2016-2020، الذي يمثّل خطة عمل لإدارة الأمن والسلم في القارة اعتمادا على APSA، وتقديم إحصائيات حول التدخلات التي قامت بها مختلف الأجهزة المُتضمَّنة في APSA، علما أن تدخلها يكون في النزاعات المصنفة بين المستوى الثالث والمستوى الخامس اعتمادا على تصنيف بارومتر هيلدلبرغ ، ثم أهم مظاهر فشل الآلية الإفريقية لإدارة الأمن والسلم في إفريقياـ وأهم المعوقات التي تقف أمام نجاح هذه الهندسة الأمنية الأفريقية، وأهم المتطلبات الأساسية التي يجب توفرها لنجاحها.

حيث يسمح عرض التدخلات التي قامت بها الآلية الإفريقية لإدارة الأمن والسلم APSA باختبار هذه الآلية نفسها، و ذلك اعتمادا على المعطيات التي توفّرها مراكز الدراسات ودراسة نماذج معينة من النزاعات في القارة الإفريقية، إذ تصنّف هذه التدخلات بين تدخلات ناجحة وتدخلات فاشلة، اعتمادا على الوسيلة المعتمدة لحالة التدخل ودرجة التكامل بين أركان الهندسة وأهمية تدخل الهندسة، والنتائج يُعبّر عنها بمدى تمكًّن الهندسة من تخفيض أو إخماد شدة نزاع معيّن أو مشكلة أمنية محددة.

لقد اعتمدنا في عرض التدخلات وفقا للهندسة الأمنية الإفريقية، على التقارير الصادرة عن معهد دراسات السلام والأمن في أديس أبابا التي تعرض تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم. اعتمدنا على تقرير2016 و 2017 و 2018 باعتبارها التقارير الأخيرة، نظرا للظروف الحالية “وباء كورونا” التي حالت دون إطلاق تقارير تخصّ سنتي 2019 و2020.

تقتصر تدخلات الهندسة الإفريقية للسلام والأمن على النزاعات المصنفة بين المستوى الثالث والمستوى الخامس حسب تصنيف بارومتر هلدبرغ للنزاعات ؛ أي أنها تتدخل في النزاعات التي من شأنها خلق جرائم حرب متمثلة في الإبادة الجماعية، كما هو محدد في بروتكول مجلس السلم والأمن الإفريقي.[1]

وتًقسّم النزاعات في إفريقيا حسب مقياس بارومتر هلدبرغ إلى خمسة أصناف هي: الأول: أزمة ، الثاني أزمة اللاعنف، والثالث أزمة عنيفة، والرابع الحرب المحدودة، والخامس الحرب[2].

المطلب الأول: نماذج عن تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم:

لقد تدخل الاتحاد الإفريقي في العديد من الأزمات في القارة الإفريقية بواسطة مجلس [3]الأمن والسلم الإفريقي الدي يمثل نواة الهندسة الإفريقية للأمن والسلم في العديد من الأزمات في القارة الإفريقية بغية تسويتها وتحقيق مبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الأمنية، سنحاول في هدا المطلب دراسة بعض النمادج، وسنركز على النزاع في الصومال ودارفور وليبيا.

الفرع الأول: تدخل الهندسة الإفريقية للأمن والسلم في الأزمة الصومالية.

لقد قمنا باختيار نموذج الأزمة الصومالية، لأنه يشكل اختبار حقيقي للهندسة، لأن هذه الأزمة كان مجالها الزمني ضمن منظمة الوحدة الإفريقية وبعدها الاتحاد الإفريقي، بمعنى أخر هل استطاع الاتحاد الإفريقي التخلص من مبدأ عدم التدخل الدي كانت تعمل به منظمة الوحدة الإفريقية إلى مبدأ التدخل الدي جاء به الاتحاد الإفريقي؟

سعى الاتحاد الإفريقي مند تأسيسه في عام 2002، إلى مواجه الأزمات والنزاعات التي تشهدها القارة الإفريقية سواء كانت ذات طابع دولي أم الداخلي ومن ضمنها الأزمة الصومالية، التي سعت العديد من القوى والمنظمات الإقليمية الدولية إلى العمل على تسويتها والحد من تفاقمها.

بعد دخول برتوكول مجلس الأمن والسلم الإفريقي حيز التنفيذ في 26 ديسمبر 2003، عقد رؤساء أركان الدفاع الأفارقة، اجتماعا في ماي 2004 وقد صدر عن الاجتماع بيان حول النزاعات التي تتطلب تدخل مجلس السلم والأمن الإفريقي فيها، وكان من ضمنها الأزمة الصومالية وقد أشار البيان إلى خطورة استمرار تدهور الأوضاع في الصومال ودور المتابعة الدي يقوم به مجلس السلم و الأمن لقضية الصومال، التي ضلت تراوح مكانها بين إمكانية استخدام الحل السلمي السياسي أو الحل العسكري.[4]

أثناء انعقاد الاجتماع 29، لمجلس الأمن والسلم في أديس أبابا عام 2005، سلط الضوء إلى الصعوبات والمعوقات التي واجهت عملية المصالحة الصومالية، في ظل عدم استقرار الوضع الأمني في الصومال، وضعف الحكومة الصومالية في توفير الأمن والاستقرار في البلاد لاسيما في العاصمة مقاديشو، وما حولها وقد تم في البداية نشر بعثة السلام التابعة للإيغاد IGASOM، ليتولاها بد لدك بعثة السلام التابعة للاتحاد الإفريقي، من أجل القيام بمهتم منها تسهيل نقل المؤسسات الاتحادية الانتقالية إلى داخل الأراضي الصومالية، إلى جانب التعاون مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتسوية هده الأزمة.[5]

في سنة 2007 عقد مجلس الأمن والسلم الاجتماع 69، في أديس أبابا وقد اطلع مجلس الأمن والسلم على تقرير رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي بشأن الوضع في الصومال، والتوصيات التي قدمتها لجنة أركان الحرب بشأن مقترح بنشر بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، بعدها قرر مجلس الأمن والسلم الإفريقي نشر بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال AMISOM، التي تتكون من تسعة كتائب مشاة “كل كتيبة مكونة من 850 جندي” تدعمها مكونات بحرية وجوية و موظفون مدنيون وفريق لتدريب الشرطة “قوامه 750 فردا”، بإجمالي 6000 ألاف فرد لمدة ستة أشهر ابتداء من تاريخ صدور هدا القرار.[6]

طلب مجلس الأمن والسلم من الأمم المتحدة تقديم الدعم اللازم للعمل على نشر بعثة AMISOM، وإعادة النظر في القرار 1725 في ضوء التطورات الأخيرة، وهكذا تم السماح بنشر بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال لتحل محل بعثة الإيجاد لدعم السلام.[7]

في سنة 2009، وبعد توقيع اتفاقية جيبوتي للسلام، بدل الاتحاد الإفريقي بواسطة مجلس الأمن والسلم الإفريقي، وشركاؤه جهودا لتعزيز قدرات الحكومة الاتحادية وبقية المؤسسات الصومالية، عبر الإطلاق الرسمي للجنة الأمن المشتركة في العاصمة مقاديشو، التي تضم ممثلين من الحكومة الصومالية وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال والامم المتحدة وشركاء دوليين أخرين ودلك لتنسيق الجهود المبذولة بغية دعم مؤسسات قطاع الأمن وتسهيل تسديد التعهدات في هدا الخصوص من خلال مؤتمر بروكسل.[8]

لكن رغم دلك واصلة الاضطرابات في السودان، خاصة مع تزايد هجمات القراصنة في السواحل الصومالية بالإضافة إلى حركة شباب السودان، لدلك قرر مجلس الأمن والسلم التابع للأمم المتحدة رفقة مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي الموافقة على زيادة حجم بعثة AMISOM، إلى 17731 ألف عنصر، وإثر انعقاد مؤتمر القمة الإفريقية في سنة 2012، أثنت الدول الإفريقية على بعثة AMISOM، لإنجازاتها البارزة وناشد القادرة الأفارقة الدول الأعضاء في الاتحاد والشركاء الدوليين لتقديم الدعم اللازم لإعادة بناء وإنعاش المناطق المحررة من المنظمات المسلحة.[9]

من خلال عرض نموذج الأزمة الصومالية، وبيان تدخل الاتحاد الإفريقي بواسطة مجلس الأمن والسلم الإفريقي الدي يمثل نواة الهندسة الإفريقية للأمن والسلم، نجد أن الاتحاد الإفريقي تخلص من عقدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومن جهة أخرى وقع في فخ الالتزام بقرارات مجلس الأمن والسلم التابع للأمم المتحدة من جهة ومن جهة أخرى ضعف التمويل الذي أنقص من سيادته على القارة.

الفرع الثاني: تدخل الهندسة الإفريقية للأمن والسلم في أزمة دارفور.

 لقد شكلت أزمة دارفور اختبارا حقيقيا لقدرة الاتحاد الإفريقي الدي نجح في جعل دوره متقدما نسبيا على أدوار غيره في إدارة شؤون وقضايا القارة الإفريقية، وبالنسبة لأحداث دارفور فقد خشي الاتحاد الإفريقي تكرار سيناريو الإبادة الرواندية وأخدت هده الأزمة اهتماما مكثفا من طرف الاتحاد الإفريقي وكانت الموضوع الرئيسي في اجتماعات مجلس الأمن والسلم الإفريقي نواة الهندسة الإفريقية للأمن والسلم.

كان الاتحاد الإفريقي حاضرا في الجولة الأولى للمفاوضات التي عقدت بين الحكومة والمتمردين بأنجمينا، حيث حضر المفاوضات عمر كوناري، رئيس مجلس الأمن والسلم الإفريقي، بعد دلك تولى الاتحاد الإفريقي رسميا ملف دارفور وتابع رعاية المفاوضات الجارية بين الطرفين، بدءا بالجولة الأولى في أبوجا عاصمة نيجيريا في يوليو 2004، والجولة الثانية في أكتوبر 2004، وفي يوليو 2005 تم استئناف المفاوضات حيث تم توقيع اتفاق مبادئ صارت أساس للمفاوضات اللاحقة.[10]

يعتبر اتفاق أبوجا للسلام دارفور، الدي عقد في العاصمة النيجيرية أبوجا بين الحكومة السودانية وحركتي التمرد بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية ودولتين هما ليبيا وتشاد الدي أكد على الأطراف بالالتزام بوقف إطلاق النار ووقف الغارات على المدنيين.[11]

تابعها عقد اتفاقية أنجامينا، في أبريل 2004، التي عقدت بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور تحت وساطة تشادية بحضور مراقبين من الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم فيها تبني اقتراح الاتحاد الإفريقي بشأن ألية مراقبة وقف إطلاق النار والتي تضمن نشر قوة من الاتحاد الإفريقي مؤلفة من حوالي 300 جندي، وتشكيل لجنة سياسية مشكلة من الحكومة السودانية وحركتي التمرد” العدل – المساواة- تحرير السودان”، والاتحاد الإفريقي لمتابعة تطور الموقف.[12]

بعد فشل المسار التفاوضي في احتواء أزمة دارفور وتطور الأزمة إلى نزاع مسلح واستعصاء الحل السلمي، قررت مفوضية الاتحاد الإفريقي التدخل الميداني من خلال:

إنشاء بعثة AMIS لحفظ الأمن والسلم في دارفور، في قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في يوليو 2004 وبعد فشل مسار المفاوضات طلب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إعداد خطة شاملة للتدخل في دارفور في إطار بعثة لحفظ السلم، تعمل على نزع السلاح والمساعدة في الوصول إلى تسوية شاملة للنزاع، و بناء على دلك قرر مجلس الأمن والسلم الإفريقي في أكتوبر 2004 تشكيل قوة لحفظ الأمن والسلم في إقليم دارفور وحدد عددها ب3320 فرد، منها 2341 من العسكريين و 450 مراقب، و815 من الشرطة المدنية، و26 من المدنيين الدوليين ومدتها سنة واحدة ابتداء من أكتوبر 2005.[13]

وبعد تدهور الأوضاع من جديد في إقليم دارفور، وصدور قرار مجلس الأمن رقم1593، وطبقا لقرار مجلس الأمن 1706، أكد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز بعثة الاتحاد الإفريقي في دارفور وقد كلف قرار مجلس الأمن 1789، بإنشاء العملية المختلطة في دارفور، لمحاولة لخلق شيء جديد “شراكة مختلطة”، وتقوم بإدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بدعم بعثة الاتحاد الإفريقي من خلال خلية المساعدة التابعة للأمم المتحدة في أديس أبابا.[14]

عارضت الحكومة السودانية القرار بالرفض التام، على أنه قرار يستهدف سيادة السودان باستخدام قوة تدخل أجنبي إلى أراضيها وأن العملية جزء من مخطط أمريكي غربي لاحتلال السودان وأصرت ان الخيار الوحيد الماح هو نشر قوات الاتحاد الإفريقي، وبعد جهود ومفاوضات طويلة تم قبول البعثة حيث أطلق عليها الأمين العام للأمم المتحدة سابقا كوفي عنان اسم التدخل ثلاثي المراحل لضمان نجاح عمل البعثة المشتركة UNAMID.[15]

بعد سلسلة من التدخلات التي قامت بها البعثة المشتركة UNAMID، أقرت البعثة في سنة 2017، أن الوضع الأمني في دارفور تحسن.[16]

من خلال عرض تدخل الاتحاد الإفريقي بواسطة مجلس الأمن والسلم الإفريقي، نواة الهندسة الإفريقية للأمن والسلم، نجد أن الاتحاد الإفريقي في تسوية المنازعات يقف أمام تحدي كبير وهو مشكل تمويل بعثات السلام ومن جهة أخرى، تدخل فواعل من خارج القارة الإفريقية في قضايا الأمن والسلم، وهو ما يقف عائق أمام الحلول الإفريقية للمشكلات الأمنية.

الفرع الثالث: تدخل الهندسة الإفريقية للأمن والسلم في الأزمة الليبية

تعد الأزمة الليبية، بالنسبة للاتحاد الإفريقي، نقط ضعف ومختبرا حقيقيا لقدرة الاتحاد الإفريقي على حفظ الأمن والسلم في القارة الإفريقية بواسطة مجلس الأمن والسلم الإفريقي، كما سنحاول عرضه في هدا الفرع.

أضحى المشهد الليبي أكثر تعقيدا، مند الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011، وهو ما أفضى إلى المزيد من الفوضى السياسية في البلاد وتداعيتها على كافة الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد والأمنية بشكل سلبي، فقد أوجد تدهور الأوضاع ظهور ميلشيات مسلحة في الداخل الليبي ذات المصالح المتعارضة، والتي تحمل أجندات مختلفة وإن كانت في بعض الأحيان ترتبط بمصالح قوى ودول خارجية، الأمر الدي ترتب عليه تعقيد الأزمة الليبية طوال السنوات التسع الأخيرة .[17]

رفض الاتحاد الإفريقي في بداية الأمر تدويل القضية الليبية في شتاء 2011، وعارض التدخل العسكري ورافع لأجل تسويتها سلميا من خلال إقناع النظام السابق بالاستجابة لمطلب الشارع حقنا للدماء ومنعا لانهيار الدولة، وسقوطها في براثن الإحتراب الأهلي، تجاوز الأمر حدود الاتحاد الإفريقي لصالح التدخل الأجنبي والتدخل العسكري وسقوط نظام معمر القذافي، إلى غاية عقد الدورة 449 لمجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي، حيث أعرب هدا الأخير وإنشاء لجنتين تعالج المسائل الأمنية والسياسية في ليبيا بالتنسيق مع الجزائر ومصر.[18]

في القمة 33 للاتحاد الإفريقي، المنعقدة في سنة 2020، أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، عن رغبة الاتحاد الإفريقي في شغل دور أكبر في حل النزاعات في القارة الإفريقية، والتوقف عن ترك الأمر للقوى والمنظمات الخارجية.[19]

لتقديم تفسير على ضعف الاتحاد الإفريقي في الأزمة الليبية، يشير بعض الخبراء إلى أن القرب الجغرافي لليبيا من الدول الأوربية، تتطلب استجابة مباشرة من الدول الأوربية وهدا ما يفسر الدور الرائد الدي لعبته بعض الدول الأوربية في ليبيا لاسيما إيطاليا وفرنسا.[20]

قبيل انعقاد مؤتمر برلين حول ليبيا في 2020، اشتكى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، أن الاتحاد الإفريقي يتم تجاهله من طرف فواعل خارجية في حين شددت الصفوف الإفريقية على مبادرة تتعلق بمنتدى للمصالحة الوطنية تنظمه الجزائر، حيث اقترح هدا الأخير في القمة رفيعة المستوى حول ليبيا في برازافيل بجمهورية الكونغو الديمقراطية.[21]

لكن رغم دلك استبعد الاتحاد الإفريقي، عقد منتدى المصالحة الوطنية، وأن الوقت غير مناسب، [22]

من خلال عرض تدخل الاتحاد الإفريقي، وموقف مجلس الأمن والسلم الإفريقي، يمكن معرفة بعض نقاط ضعف جديدة في الهيكل الإفريقي للأمن والسلم، فهي لا تقتصر فقط على تحديات مالية وفقط، بل تعداها لمشاكل داخل الاتحاد نفسه وهو ما يمكن ملاحظته عندما رفض الاتحاد تدويل القضية الليبية، وترك المجال أمام القوى الخارجية، وبتالي يصبح شعار الاتحاد الإفريقي: الحلول الإفريقية للمشكلات الأمنية، مجرد كلمات.

في نهاية هدا المطلب، نكون قدمنا بعض النماذج عن تدخلات الاتحاد الإفريقي بواسطة مجلس الأمن والسلم الإفريقي نواة الهندسة الإفريقية للأمن والسلم، في بعض النزاعات في القارة الإفريقية على اختلاف أطرافها ومكان حدوثها وزمانها، وعن أهم الإشكاليات التي رافقت هده التدخلات التي اعتبرت فيما بعد على أنها تحديات تهدد مستقبل الأمن والسلم في القارة الإفريقية.

المطلب الثاني: تدخلات الهندسة الإفريقية للسلام والأمن APSA.

قبل التطرق إلى حصيلة تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم ومحاولة تقييم هذه الحصيلة، لابد من الإشارة إلى طبيعة ومستوى النزعات في القارة الإفريقية.

في سنة 2018 كان عدد النزاعات في إفريقيا يتماشى مع الأنماط العالمية، حيث أخذت النزاعات في الانخفاض منذ عام 2016، و ذلك وفقا لمقياس هيلدبرغ للنزاعات “HCB”، حيث انخفض عدد النزاعات في العالم من 385 نزاع في عام 2017 إلى 374 نزاع في عام 2018، أي انخفض بنسبة 3 بالمائة، سجّلت خلالها إفريقيا 102 صراع في العام 2018 .ومع ذلك، وعند تصنيفها ارتفع عدد الحروب المحدودة إلى 10 حروب محدودة مقابل9حروب في 2018، [23]أما مستوى الشدة الثالث من النزاعات فقد بلغ في سنة 2018 ما مجموعه 52 حالة مقابل 57 حالة في سنة 2017 .أما مستويات النزاعات من الشدة المنخفضة فقد بلغ 31 نزاع مقابل 33 نزاع في سنة 2017.[24]

مما سبق، يتّضح أنه في سنة 2018، شهدت القارة الإفريقية 71 نزاع مع شدة تتراوح ما بين 3 و5، بمعنى أنها حروب وأزمات غير عنيفة، وهذا الرقم أقل بقليل مقارنة برقم 74 المُسجّل في سنة 2017.

أولا: النزاعات من الشدة الخامسة: تمثلت هذه الصراعات في :الحرب في مصر بين الحكومة المصرية والجماعات المتشددة في شبه جزيرة سيناء، والصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى بين أنتي بالاكا وتحالف سيليكا، والصراع في إثيوبيا، الصراع في نيجيريا بين المزارعين والرعاة، و النزاع في إقليم دارفور في السودان، والصراع في الصومال، الحرب في ليبيا، الحرب بين داعش وبعض الحكومات.[25]

ثانيا: النزاعات من الشدة الرابعة: تمثلت هده الصراعات في : الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأيضا النزاعات التي ظهرت في جنوب السودان، أي هذا النوع من النزاعات يضم فواعل غير متكافئة ؛مثل النزاع في منطقة الساحل المتمثل في الجماعات الطائفية والحكومات مع الجزائر وتشاد وليبيا.[26]

لقد تم التركيز على هذين النوعين من النزاعات لأنهما يمثلان مستوى الشدّة التي تتدخل عندها الهندسة الإفريقية للأمن والسلم APSA.

الفرع الأول: التدخلات الناجحة للهندسة الإفريقية للأمن والسلم APSA حتى 2018:

في سنة 2013 بلغ عدد تدخلاتها 25 تدخل ؛وفي سنة 2014 بلغ عدد تدخلاتها 24 ؛وفي سنة 2015 بلغ 29 تدخل، منها 28 نزاع عنيف من أصل 68 نزاع ؛وفي 2016 كان هناك 27 نزاع عنيف من أصل 52 نزاع.[27]

بين 2015 و2016، تم إبرام 15 اتفاقية سلام بقيادة الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الفرعية ؛منها سبعة اتفاقيات ناجحة، كاتفاقية السلام والمصالحة في مالي 2015، واتفاقية السلام في جنوب السودان على إثر الحرب الأهلية عام2015، والاتفاق حول الحوار بين الساسة الغانيين في عام 2015، وخارطة الطريق بين الحكومة السودانية والجماعات المعاضة في 2016 .وخلال سنة 2017، تم إبرام اتفاقية غامبيا بقيادة الإكواس، كما تدخلت بنجاح في بعثة مراقبة الانتخابات في كل من النيجر وغامبيا وغينيا بيساو، ومناطق أخرى معرّضة للنزاعات في الانتخابات.[28]

تُقاس نوعية التدخل بملائمة الوسيلة المعتمدة لحل النزاع، ودرجة الترابط بين أركان الهندسة وأهمية تدخل الهندسة مقارنة بالفواعل الأخرى .أما الفعالية فهي تُقاس بمدى تمكن الهندسة من تخفيض شدة النزاع .لذلك تأخذ تدخلات الهندسة الإفريقية للسلام والأمن ثلاث أشكال من التدخل هي :عمليات حفظ السلام، الوساطة، والديبلوماسية.[29]

مثلا في سنة 2018، قامت الهندسة الإفريقية للسلام والأمن بالتدخل عن طريق الوساطة في 14 حالة، وعن طريق عمليات حفظ السلام في ستة (6) حالات ؛وأخيرا عن طريق الدبلوماسية في واحد و ثلاثين (31) حالة تدخل.[30]

من بين عمليات حفظ السلام التي قامت بها APSA، هي البعثة التي أرسلها الاتحاد الإفريقي إلى الصومال AMISOUM، بالإضافة إلى قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسياتMNJF، وقوة الساحل المشتركة G5، والبعثة الوقائية للجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي في مملكة ليسوتو، وبعثة الإكواس في غينيا بيساوECOMIB.لقد شكّل كل من قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات وقوة الساحل المشتركة، [31]تحالف يعمل مباشرة تحت قيادة الهندسة الإفريقية للسلام والأمن، وتمكّن من تطبيق العقوبات على التغييرات الغير دستورية في الحكومات بتعليق عضوية قوى فاعلة فيها حتى استرجاع حكمها الدستوري، منها كوت ديفوار في سنة 2010 ومصر في 2013، والسودان في 2019.

أما فيما يخص الديبلوماسية فهي تدخل مع المكوّنات الأخرى المشاركة في عمليات حفظ السلام وأهمها هو الوساطة، يبرز هدا النوع من التدخلات في النزاعات التي تكون فيها أطراف إرهابية، مثلا في زامبيا وليزوتو، مثال آخر هو الصراعات بين الحكومة والمعارضة التي تتطلب وجود فاعلين للتوسط في مثل هده القضايا.[32]

من جهة أخرى، أدرجت خارطة الطريق 2016/2020 للهندسة الإفريقية للسلام والأمن، خطة تقضي بإصلاح القطاع الأمني للدول ونزع الأسلحة وإعادة الإدماج الداخلي، حيث قامت في سنة 2016 ب5 تدخلات من هذا النوع منها في جمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا بيساو وسيراليون.

الفرع الثاني: حصيلة التدخلات الفاشلة للهندسة الإفريقية للأمن السلم APSA إلى غاية سنة 2018:

امتنعت الهندسة الإفريقية للسلام والأمن في سنة 2013 عن التدخل في 33 نزاع عنيف، وفي سنة 2014 امتنعت عن التدخل في 36 نزاع، وفي سنة 2015 امتنعت عن التدخل في 33 نزاع مؤكّد، وفي عام 2016 امتنعت عن التدخل في 38نزاع في 2016، و25 نزاع عام 2017، حسب التقارير الأخيرة الصادرة بين سنتي 2017 و2018.[33]الأمر الدي يضعنا أمام تساؤل جوهري وهو سبب امتناعها عن التدخل.

“كما أشرنا إليها سابقا”، تعتبر القضية الليبية خير مثال على ذلك، والمتمثل في امتناع دول مجلس الأمن والسلم عن إرسال بعثة خاصة إلى ليبيا، الأمر الذي فتح المجال أمام أطراف دولية خارج إفريقيا للتدخل في ليبيا بمعنى أن كثافة التدخلات الدولية حالت دون تدخل أفريقي فعّال . حيث كانت البداية من مجلس السلم والأمن التابع للأمم المتحدة، التي قدّمت في نص قرارها 1973 دور الجامعة العربية على الاتحاد الإفريقي، ولم يشر في التقرير حتى إلى الاتحاد الإفريقي .يرجع سبب هذا الامتناع عن التدخل في ليبيا من طرف دول الاتحاد الإفريقي إلى التعارض بين الدول الإفريقية والتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، خاصة لما تكون الدول الحاملة للنزاع لها وزن كبير في الاتحاد الإفريقي ؛من جهة أخرى، كانت الأوضاع لا تشير إلا لاحتمالية قيام حرب عنيفة بين فصائل مسلحة.[34]

كما أن الهندسة الإفريقية للسلام والأمن لم تتدخل في دولة تشاد عام 2016 بمناسبة النزاع الذي نشب بين الحكومة والمعارضة حول الانتخابات، نظرا للهيمنة العسكرية التي تمارسها السلطة، من جانب آخر، تقوم هذه الفواعل بالتحايل في تصنيف النزاعات وإخفاء المعلومات الحقيقية عنها كما قامت به مصر في عام 2017 برفضها تصنيف النزاع الذي نشب في شبه جزيرة سيناء كحرب، واعتبرتها الدولة المصرية مجرّد هجمات معزولة.[35]

أيضا لم تتدخل الهندسة الإفريقية للأمن والسلم في منطقة نيجيريا رغم تصاعد خطر الهجمات الإرهابية لبوكو حرام في سنة 2014 .كما لم تتدخل التنظيمات الاقتصادية الإقليمية في منطقة الموزمبيق المتمثلة في الجماعة الاقتصادية لجنوب إفريقيا خلال النزاع بين المعارضة الوطنية والحكومية، وذلك يرجع للدور الفعال الذي يلعبه رئيس موزمبيق داخل هذا التنظيم الإقليمي.[36]

هناك مظاهر أخرى تدل على فشل الهندسة الإفريقية في حل بعض المشكلات الأمنية في القارة الإفريقية وهي:

  • بين سنتي 2013 وسنة 2014 كان هناك ما مجموعه أربعة عشر (14) تدخلا فاشلا.[37]
  • بين سنتي 2015 و 2016 كان هناك ما مجموعه أحد عشر (11) تدخلا فاشلا.[38]

من سنة 2017 إلى غاية سنة 2018، كان هناك حوالي (22) تدخلا غير ناجح، منها (11) تدخلا عن طريق آلية الدبلوماسية كحالة بورندي، وستة تدخلات بواسطة آلية الوساطة من بينها غينيا بيساو ودارفور. إضافة إلى عمليتي دعم سلام المتمثلة في كل البعثة المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور UNAMED، و المبادرة الإقليمية المشتركة التي يقودها الاتحاد الإفريقي لمواجهة جيش الرب RCI-LRAفي أوغندا.[39]كل هذه التدخلات الفاشلة كانت لها أسباب معينة سنحاول التطرق لها في مبحث يتطرق لعوائق وتحديات الهندسة الإفريقية للسلام والأمن.

 الفرع الثالث: جودة وفعالية تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم APSA.

سنحاول في هذا الفرع قياس جودة وفعالية تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم اعتمادا على مجموعة من المؤشرات كما سيأتي:

أولا: جودة تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم APSA:

يتم تقييم جودة تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم وفقا لمجموعة من المؤشرات هي:[40] المساهمة النسبية من قبل الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية والفواعل الدولية الأخرى، مستوى التنسيق والمواءمة بين الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية والدول الأخرى، والدرجة التي كان فيها التدخل مناسبا ومتناسبا.

انطلاقا من التدخل في 31 صراع، منها 29 صراع عنيف وصراعين غير عنيفين، التي تدخل فيها الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية، تظهر أن جودة التدخلات كانت عالية بشكل عام بنسبة 74 بالمائة، وهو ما يشكّل انخفاضا مقارنة بسنة 2017 التي كانت فيها جودة التدخل ب78 بالمائة، ومقارنة بسنة 2016 التي كانت فيها جودة التدخل 86 بالمائة، كون هده النسبة ترتفع وتنخفض من سنة لأخرى حسب طبيعة النزاعات.[41]

في سنة 2018، تم تسجيل تدخلات الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، تدخلات بجودة عالية بشكل عام في 5 صراعات، وتدخلات بجودة متوسطة في 18 تدخل، حيث تُظهر المقارنة مع السنوات الماضية تراجعا في فعالية تدخلات الهندسة الإفريقية للسلام والأمن .ففي سنة 2016، كانت النسبة 48 بالمائة، في حين سنة 2018 كانت 16 بالمائة، وزادت نسبة التدخلات متوسطة الجودة من 35 بالمائة في 2016 إلى 58 بالمائة في 2018، كما زادت التدخلات منخفضة الجودة من نسبة 17 بالمائة في 2016 إلى 26 بالمائة في عام 2018.[42]

الصراعات الخمسة التي سجلت تدخلات عالية الجودة من قبل الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية هي: ليسوتو “صراع الفصائل العسكرية”، الحرب الأهلية في جنوب السودان، أزمات المعارضة الحكومية في مالي وسيراليون وغامبيا .تضمن التدخل في هذه الصراعات استخدام أداتين على الأقل: إما الدبلوماسية والوساطة، أو الدبلوماسية وعمليات دعم السلام .في حالة ليسوتو هناك استعمال للأدوات الثلاثة: الدبلوماسية والوساطة وعمليات دعم السلام.[43]

فيما يخص الصراعات التي سجلت تدخلات متوسطة الجودة فقد استُعمل فيها مزيج من الدبلوماسية والوساطة في سبعة صراعات هي: الصراع في بورندي “المعارضة”، الصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى “بالاكا، سيليكا”، في شمال مالي “حركة الأزواد”، الصومال بين الميليشيات، في السودان، وتوغو، والسودان في إقليم دارفور. إن استخدام الوساطة والديبلوماسية من قبل الاتحاد الإفريقي يعبر عنه بتدخلات ذات جودة متوسطة.[44]

أما التدخلات منخفضة الجودة في سنة 2018، فتشمل الصراع بين الدول خاصة في منطقة البحيرات الكبرى بين رواندا وبورندي .وأيضا الصراع في الكاميرون التي شملت الحكومة والمناطق الناطقة باللغة الإنجليزية .كذلك الصراع في وسط مالي بسبب التنافس بين الطوائف، والصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو، وصراعات المعارضة في كل من مصر، غينيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية.[45]

أخيرا ورغم وجود عدة أصناف من التدخلات، إلا أنه يغلب عليها اللبس والغموض. فمثلا، في الكاميرون لم يتدخل الاتحاد الإفريقي في الوقت المناسب حتى تدهور الوضع، واستخدام التدخلات الدبلوماسية فقط متمثلة في زيارة رئيس المفوضية، ولم يتم مناقشتها في مجلس الأمن والسلم مما أثار استياء المراقبين .يشكّل هذا نقطة ضعف في الهيكل الإفريقي للسلام والأمن وهو عدم التكامل بين الإنذار المبكّر والعمل المبكّر.[46]

ثانيا: فعالية تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم.

لقد تم تقييم فعالية تدخلات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم بناء على ثلاث معايير[47] هي: حسن التوقيت والاستجابة السريعة في إقليم النزاع، ما إذا كان التدخل قد حقّق النتيجة المرجوة منه، ما إذا كان التدخل قد ساهم في تهدئة الصراع في موطن النزاع.

لقد تم فحص التدخلات التي قامت بها الهندسة الإفريقية من قبل الباحثين وتم صياغة بعض أشكال النجاح وهي: نجاح بشكل عام، ونجاح بشكل جزئي، ونجاح إلى حد ما . وتعتبر هذه التقييمات إرشادية وليست مطلقة.

في سنة 2018، تم تسجيل (31) صراعا تم التدخل فيها نتج عنها أربعة صراعات تدخلت فيها الهندسة الإفريقية للأمن والسلم بشكل ناجح في تخفيف حدة الصراع. وفي (14) صراعا تم تسجيل تقييم ناجح جزئيا .أما بقية التدخلات في الصراعات الأخرى فقد تم تقييمها على أنها تدخلات فاشلة .التدخلات الناجحة والناجحة جزئيا تشكّل نسبة 58 بالمائة، وهي نسبة ضعيفة مقارنة بسنوات 2016 و2017 .ففي سنة 2016 كانت النسبة 78 بالمائة، وفي 2017 كانت النسبة 63 بالمائة .هذه النتائج تم التوصل إليها اعتمادا على الأدوات التي تستعملها APSA في تدخلاتها.[48].

وتشمل التدخلات التي اعتبرت ناجحة بشكل عام : صراعات المعارضة في مالي حيث يمثل الانقلاب الأخير في مالي يبرز جيّدا نسبية مثل هذا التقييم الذي تقوم به الأجهزة التابعة للاتحاد الأفريقي وسيراليون وغامبيا والحرب الأهلية في السودان .كما قامت الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا قام الاتحاد الإفريقي بنشر بعثات للمراقبة في المنطقة لمعالجة النزاعات المرتبطة بقضية الانتخابات .كما ظهرت مبادرات إعادة الإعمار بعد الصراع، وهو ما ظهر في غامبيا .كما تدخلت الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية IGAD في الحرب الأهلية في جنوب السودان، وتم تصنيف هذه التدخلات على أنها ناجحة بشكل عام نظرا لأنها أدّت إلى توقيع العديد من الاتفاقيات، وذلك من خلال المشاركة المكثّفة لمكوّنات الهندسة الإفريقية للأمن والسلم باستعمال الدبلوماسية والوساطة.[49]

أما التدخلات الناجحة جزئيا، فتشمل صراع المعارضة في كينيا وزمبابوي، وتوغو، ونشر الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية للجنوب الإفريقي بعثات لمراقبة الانتخابات في زمبابوي. في إسواتيني أيضا تم إرسال بعثات للمراقبة ولكن لم يتم استكمال عملها. لهذا يمثل هذا النوع من التدخلات، تدخلات ناجحة جزئيا أو تدخلات متوسطة الجودة .كما تدخل الاتحاد الإفريقي لسد الفراغ الأمني في الصومال من خلال التعاون مع الجماعة الاقتصادية لوسط إفريقيا بتفعيل القوة الإفريقية الجاهزة لسد الفراغ الأمني في المنطقة التي تنشط فيها جماعتين إرهابيتين هما حركة الشباب وجيش الرب .إضافة إلى النزاع في ليبيا وفي جنوب السودان “دارفور وجنوب كردفان/ النيل الأزرق “كلها تعتبر تدخلات ناجحة جزئيا.[50]

في حين أن التدخلات غير الناجحة فتشمل كل من مصر، جمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، وتوغو. مثلا في مصر في النزاع في شبه جزيرة سيناء، فشل الاتحاد الإفريقي في تهدئة الأوضاع رغم إرسال بعثة ب40 عضوا للمنطقة تعتبر هذه التدخلات كما تم الإشارة إليها سابقا غير ناجحة.[51]

أما التدخلات الناجحة إلى حد ما، فتشمل الصراع ما بين الطوائف في وسط مالي والصراع في الكاميرون مع الانفصاليين الناطقين باللغة الإنجليزية، والصراع بين المغرب و البوليساريو، والصراع بين الدول في منطقة البحيرات الكبرى.[52]

ونجد أن فعالية تدخل الهندسة الأمنية في انخفاض مقارنة بالسنوات الماضية، ففي سنة 2017 بلغت نسبة التدخلات الناجحة كليا وجزئيا نسبة 63بالمئة مقارنة بسنة 2018 التي بلغت فيها نسبة التدخلات الناجحة جزئيا وكليا نسبة 58 بالمئة، هده النتيجة مقلقة وهي تعبر عن تدهور في الوضع الأمني في إفريقيا، وناتجة عن مجموعة من التحديات التي تقف عقبة أمام عمل الهندسة الإفريقية للأمن والسلم. [53]

المطلب الثالث: الارتباط بين الهندسة الأمنية الإفريقية APSA وبنية الحوكمة للاتحاد الإفريقي.

لا تسعى الهندسة الأمنية الإفريقية فقط إلى حفظ الأمن والسلم في القارة الإفريقية، بل تسعى لمعالجة المشكلات التنموية التي تؤدي إلى حالة اللاأمن، ومعالجة المشكلات الناتجة عن العنف مثل النزوح والعمل على إعادة الإعمار بعد النزاع، هو الأمر الذي تطلب صياغة خارطة طريق لتنفيذ هذه البرامج من خلال تحقيق الحوكمة في إفريقيا.

الفرع الأول: خارطة الطريق 2016 – 2020

منذ إنشائه في عام 2000، تبنّى الاتحاد الإفريقي أجندة سلام وأمن مليئة بالتحديات .إن أجندة السلام والأمن الخاصة بالاتحاد الإفريقي كانت الأكثر كلفة في العالم نظرا للرهانات التي تواجهه .لقد تناولها مجلس الأمن حيث اعتبر أنها تتمثّل في التغيّرات المناخية، والتهديدات الوبائية، والهجرة .تم تناول هذه القضايا في أكثر من 240 اجتماع منذ 2004، إن هذه القضايا تمثل محور نقاش بين الاتحاد الإفريقي و الجماعات الاقتصادية الإقليمية، ونظرا لأن ميزانية الاتحاد الإفريقي ممولة من الخارج بشكل كبير جعل الأطراف الدولية الفاعلة في القارة الإفريقية في توتر مستمر.[54]

هناك حالات بعض الدول الإفريقية التي تستهلك جزءا كبيرا من ميزانية الاتحاد الإفريقي، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى، ومالي، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان .تعود أسباب الأزمة داخل هذه البلدان إلى غياب الحكم الراشد وعدم وجود عقد قوي بين الحكومة والشعب .لدا كانت هناك الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في مجال منع النزاعات والحوكمة .

في سنة 2014، اعتمد الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية مبادرة إسكات البنادق بحلول عام 2020، التي تم تبنّيها بعد قمة كبيرة في ديربان في جنوب إفريقيا سنة 2014، بعدها تم وضع خارطة الطريق 2016/2020 المتمثلة في برنامج عمل، حيث تم الانتهاء من إعدادها في ديسمبر 2015، وإطلاقها في بداية 2016 . تتمثّل هذه الخارطة في خمسة أهداف ومؤشرات إستراتيجية هي: منع الصراع، إدارة الأزمات، إعادة الإعمار بعد النزاع، قضايا الأمن الإستراتيجي، التنسيق والشراكات.[55]

كما تتضمن خارطة الطريق هذه أيضا، ضرورة عمل APSA مع هيكل الحكم الإفريقي AGA لتنفيذ إستراتيجية إعادة الإعمار والتنمية بعد الصراع .لذلك تم إنشاء لجنة متعددة الأبعاد، للتفاعل مع الفاعلين الدوليين في القارة، خاصة في مرحلة الصراع ونهاية الصراع من أجل إعادة الإعمار بعد الصراع.[56]

الفرع الثاني: دور الهندسة الأمنية الإفريقية في تحقيق التنمية و الحوكمة في إفريقيا:

 لقد خطت إفريقيا خطوات هامة خلال السنوات الماضية في سعيها نحو حكم ديمقراطي تشاركي، واقتناع القادة الأفارقة أكثر من أي وقت مضى بأن الحكم الديمقراطي والسلام الدائم شرط أساسي لا غنى عنه لتحقيق التنمية البشرية المستدامة.

إن هندسة الحوكمة الإفريقية The African GovernanceArchitecture، تم الإشارة إليه في جدول أعمال قمة الاتحاد الإفريقي في فيفري 2010، وبدأ العمل بها في سنة 2012 كإطار لتعزيز استدامة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وضمان حقوق الإنسان، والحكم الراشد في إفريقيا، وسيادة القانون وروح العدالة، والمساواة، والتنمية، وحماية البيئة، والمشاركة الشعبية، والشفافية، والمساءلة، وتشييد المؤسسات الديمقراطية، ومكافحة الفساد، وتقديم حلول دائمة للأزمات الإنسانية، وضمان حرية تنقل الأفراد الأفارقة بين الدول الإفريقية .ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية للحوكمة الإفريقية في تعزيز الروابط بين الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والمجتمع المدني من أجل تعزيز الحكم الراشد والدمقراطية في إفريقيا.[57]

توجد علاقة تكامل ما بين الهندسة الإفريقية للأمن والسلم APSAوهيكل الحوكمة الإفريقي AGA .فلا يمكن أن تنجح الهندسة الإفريقية للأمن والسلم دون التكامل مع هيكل الحوكمة الإفريقي .ويتمثل أحد أدوار هيكل الحكم الإفريقي في المشاركة في الدبلوماسية الوقائية ومنع النزاعات، وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، وقضايا التنمية المرتبطة بالحوكمة في إفريقيا .

وبالتالي من المفترض أن يعالج كل هيكل الأمن والسلم الإفريقي APSAوهيكل الحوكمة الإفريقيAGAكل الأسباب الجذرية للنزاعات وضرورة إضفاء الحكم المؤسسي على الديمقراطية .هذه هي رؤية الاتحاد الإفريقي في أجندته رقم 2063 والموقف الإفريقي المشترك للتنمية ما بعد سنة 2015.[58]

تم تصميم هيكل الحكم الإفريقي لمعالجة قضايا الحكم والتحديات ذات الصلة بالحوكمة التي تهدف إلى معالجة الأسباب الهيكلية لعدم الاستقرار السياسي والأزمات من خلال أدوات منها: الدبلوماسية الوقائية، والوساطة، والمساعدات، وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع ؛في حين تتبني APSA أجندة السلام والأمن وآليات حفظ الأمن والسلم في القارة الإفريقية .بمعنى أن هيكل الحكم الإفريقي والهندسة الإفريقية للأمن والسلم تجمعهما علاقة ترابط وتكامل، وخير مثال على ذلك هو معالجة قضية النزوح الناتج عن العنف في السودان.[59]

يعد القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وبرتوكول مجلس الأمن والسلم، ومؤتمر التعاون والأمن والاستقرار في إفريقيا، والميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحوكمة، وإطار سياسة التنمية وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، وأجندة 2063 ؛أطر عمل تؤكد على الحاجة إلى التعاون بين الهندسة الإفريقية للأمن والسلم وهيكل الحكم الإفريقي للنهوض بإفريقيا.

تعتبر سياسة الاتحاد الإفريقي المتمثلة في إعادة الأعمار والتنمية بعد انتهاء الصراع، ومبادرة التضامن الإفريقي؛ أحد أهم أشكال الترابط بين هيكل الحكم الإفريقي والهندسة الإفريقية للأمن والسلم، وتعتبر أحد الأمثلة الملموسة للتعاون بين APSAوAGA .كمثال على ذلك، مبادرتهما في جمهورية إفريقيا الوسطى حيث يعملان معا لمساعدة البلاد على برامج إعادة الإعمار بعد النزاع، ويسترشد بسياسة الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد انتهاء الصراع .وتركّز هذه المبادرة جزئيا على: صياغة دستور جديد، العملية الانتخابية، إصلاح القطاع العام، إدراج وإدارة التنوع.[60]

أخيرا، يمكن العثور على فرصة لزيادة التعاون بين APSAوAGAمن خلال الحوار السنوي رفيع المستوى حول الديمقراطية والحوكمة وحقوق الإنسان الذي يعتبر منصة مفتوحة وشاملة لكل الدول الأعضاء، وأجهزة ومؤسسات الاتحاد الإفريقي، والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، والمواطنين الأفارقة، ومراكز الفكر، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والقطاع الخاص، وفاعلي الخير، من أجل العمل على تعزيز روح التضامن في القارة الإفريقية.[61]

ملاحظة

هذه الدراسة جزء من رسالة: كريكرة أسامة، التعاون الأمني في إفريقيا: الهندسة الإفريقية للأمن والسلم 2002-2020، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد الصديق بن يحي –جيجل، الجزائر


[1][1]The GIZ Projects, The State and Impact of the African Peace and Security Architecture (APSA) in 2015 (2015)https://www.giz.de/en/worldwide/15657.html, pp. 34-35.

[2]APSA Impact Report, (2018), Addis Ababa: Institute for Peace and Security Studies, 2020, https://bit.ly/2FkMCp7, consulté le: 02/09/2020, pp. 9-10.

[3]

[4]النداوي مهند، الاتحاد الإفريقي وتسوية المنازعات، الطبعة الأولى، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة،2015، ص196.

[5]نفس المرجع، ص 197.

[6]كريستين سودر، عمليات السلام متعددة الأطراف في العام 2007، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،2008، ص235.

[7]النداوي مهند، نفس المرجع، ص202.

[8]الدورة الخاصة حول بحث وتسوية النزاعات في إفريقيا، مذكرة معلومات، طرابلس31، أوت2009  ،ص5.

[9]النداوي مهند، نفس المرجع، ص215.

[10]علاء الدين عوض محمد عثمان الحربي، دور الاتحاد الإفريقي والقوى العظمى في أزمة دارفور “الصين ، الولايات المتحدة الأمريكية”، بحث تكميلي لنيل درجة البكالوريوس، جامعة الخرطوم،2013،ص ص 42-43.

[11]زكي البحيري، مشكلة دارفور أصول الأزمة وتداعيات المحكمة الجنائية الدولية، الهيئة المصرية العامة للكتاب،2010،ص159

[12]نفس المصدر، ص 160.

[13]محمد إبراهيم الحسن، دور المنظمات الدولية والإقليمية في تحقيق الأمن والسلم في إفريقيا، مجلة قراءات، العدد 29،29/08/2018، ص32.

[14]نفس المصدر.

[15]محمد جادين، بعثة اليوناميد “تحول إيجابي وجدري في دارفور“، صحيفة الصيحة، الخرطوم،6أفريل 2017.

[16]نفس المصدر.

[17]أحمد عسكر، الأزمة الليبية من منظور الاتحاد الإفريقي: الفرص والتحديات، عن موقع: shorturl.at/koLY1 تم الاطلاع عليه يوم: 10/08/2020.

[18]فضيلة دفوس، أي دور  للاتحاد الإفريقي في الأزمة الليبية، عن موقع:shorturl.at/jlmZ5 تم الاطلاع عليه يوم:10/08/2020.

[19]إنجي مجدي ، هل ينجح الاتحاد الإفريقي في إحياء عملية السلام المتعثرة، عن موقع:shorturl.at/aglqL تم الاطلاع عليه يوم:10/08/2020.

[20]نفس المصدر.

[21]إنجي مجدي ، نفس المصدر.

[22]الاتحاد الإفريقي يستبعد عقد منتدى المصالحة الوطنية حول ليبيا في يوليو 2020،عن موقع: shorturl.at/iozN1 تم الاطلاع عليه يوم:08/10/2020.

[23]APSA Impact Report 2018,op.cit,p. 13.

[24]Ibidem;

[25]Ibid. p. 15.

[26]APSA Impact Report 2018, op. cit,p.. 13.

[27]The GIZ Projects, op.cit, p. 34

[28]Sophie DESMIDT, Volker HAUCK, “Conflict Management Under the African Union Peace and Security Architecture(APSA)”, ECDPM Discussion Paper, N°: 211 (2017), on: https://bit.ly/2DXXt7u, consulté le: 02/09/2020, pp. 24-25.

[29]APSA Impact Report 2018,op.cit,p. 14.

[30]APSA Impact Report 2018,op.cit,p. 30.

[31]APSA Impact Report 2016, (2020), Addis Ababa: Institute for Peace and Security Studies,https://bit.ly/2FF2QJ9, consulté le: 02/09/2020, pp. 22-23.

[32]APSA Impact Report 2018, op. cit,p. 30.

[33]APSA Impact Report 2017, op. cit., p. 39.

[34]APSA Impact Report 2017, op. cit, p. 40.

[35]Ibid. p. 41.

[36]The GIZ Projects, op. cit., p. 40.

[37]The GIZ Projects, op. cit., p. 40-41.

[38]APSA Impact Report 2016, op. cit., p. 47.

[39]Ibid. p. 31.

[40]Ibid. p. 32.

[41]APSA Impact Report 2018,op.cit, p. 33

[42]Ibidem. ;

[43]Ibidem. ;

[44]Ibidem. ;

[45]Ibid. p. 34.

[46]APSA Impact Report 2018,op.cit, p. 35.

[47]APSA Impact Report 2018,op.cit, p37.

[48]APSA Impact Report 2018,op.cit, p. 38.

[49]Ibidem;

[50]Ibid.p. 39.

[51]Ibid. p. 40.

[52]APSA Impact Report 2018,op.cit, p. 41.

[53] APSA Impact Report 2018,op.cit, p. 41.

[54]“Peace and security in Africa: the story of peace building,conflict prevention and conflict monitoring in the African peace and security architecture2020”,on: https://bit.ly/3hCuK6d, consulté le: 05/09/2020.

[55]Peace and security in Africa: the story of peace building,conflict prevention and conflict monitoring in the African peace and security architecture2020”, op.cit.

[56]Ibid.

[57]matlosa, KHABELO, “The African Union’s African Governance Architecture linkages with the African Peace and Security Architecture.” GREAT insights Magazine, 4.1 (2014) ;https://ecdpm.org/great-insights/peacebuilding-statebuilding/african-unions-african-governance-architecture-linkages-african-peace-security-architecture/;, consulté le: 05/09/2020.

[58]Matlosa, KHABELO, op.cit.

[59]Ibid.

[60]The African unions African governance architecture linkage with the African peace and security architecture,on:https://bit.ly/3kdeNow , consulté le: 05/09/2020.

[61]The African unions African governance architecture linkage with the African peace and security architecture, op.cit.

Admin

القرن الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات: مؤسسة بحثية مستقلة، تأسست عام 2020 تقوم على إعداد البحوث والدراسات والتقديرات وأوراق السياسات، وتنظيم الفعاليات العلمية والأكاديمية وتقديم الاستشارات حول التفاعلات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية في منطقة القرن الأفريقي، وما يرتبط بها من تفاعلات إقليمية ودولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى