واقع الحركة الإسلامية في اليمن 1990_2020
د. هود محمد قباص أبو رأس
بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990 تم فتح باب التعددية الحزبية والمشاركة السياسية، وشاركت الأحزاب الإسلامية في العملية السياسية، وشاركت بالانتخابات النيابية 1993، وحصلت على ما يقارب 67 مقعداً في مجلس النواب، وتم تقاسم السلطة فحصل الإصلاح على حقيبة في مجلس الرئاسة، وحصل على حقيبة نائب رئيس الحكومة، بالإضافة إلى ثلث أعضاء الحكومة، وثلث أعضاء السلطة المحلية، وشاركت في جميع مؤسسات الدولة بما يعادل ثلث الوظائف العامة، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية.
وكان لوجودهم في السلطة أثر كبير في الحفاظ على الوحدة والنظام والتخفيف من الفساد في جميع مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتم افتتاح الكثير من المشاريع التعليمية والخدمية والتنموية؛ حتى تم فك الارتباط بين الإصلاح والمؤتمر عقب انتخابات 1997 فقررت الحركة الاسلامية ممثلة بالإصلاح الخروج من السلطة إلى المعارضة، وقد اعتبر البعض هذا القرار خطأ استراتيجياً كبيراً في مسيرة الحركة الإسلامية، فقد تم استبعاد الكثير من المحسوبين عليهم في الحزب من كثير من المؤسسات الحكومية.
ولم يصبح بمقدور الحركة الاسلامية القيام بكثير من الأعمال التي كانت تمارسها وهي في السلطة، مما أدى إلى تراجع كبير في شعبية الحزب وانضمام أفراد الحركة وكوادرها إلى الحزب الحاكم حفاظاً على مصالحهم، وحفاظاً على وظائفهم من شدة الضغوط التي مورست عليهم من الحزب الحاكم بعد انفراده بالسلطة، حتى أصبحت كثير من مؤسسات الدولة لا تكاد تجد فيها موظفين ينتمون للحركة الاسلامية إلا بعدد أصابع اليد. وكان للأحزاب السياسية الإسلامية عدد كبير من المقرات الحزبية في عموم محافظات ومديريات الجمهورية تمارس فيها أنشطتها السياسية والحزبية والدعوية بحرية تامة خلال عقدين من الزمن، بل إن الدولة كانت تخصص لها من الموازنة السنوية للأحزاب المشاركة في مجلس النواب ومنها أحزاب الجماعات الإسلامية المعارضة للحزب الحاكم.
لكن هذه الأحزاب لم تستغل هذه الحريات وهذه المقرات والهامش البسيط من الديمقراطية والمشاركة السياسية بشكلها الصحيح الذي يجعلها تقوم بدورها كحكومة ظل في حال انهيار الدولة؛ وانما استخدمت للمناكفات السياسية، وردود الفعل والفعل المضاد، ولم يتم التفريق بين الأداء السياسي للحزب في المقر والأداء الدعوي في المسجد، فأصبح الخطاب في المسجد يغلب عليه الخطاب السياسي والعكس.
وتميزت الصحوة الإسلامية في اليمن بجميع توجهاتها بوجود كثير من المحاضن التربوية والتعليمية والدعوية، يمارسون فيها أعمالهم وأنشطتهم بحرية تامة، كالتعليم والتربية والتثقيف ونشر السنة والوقوف في وجه المد الشيوعي والشيعي في شمال اليمن وجنوبه، فعلى سبيل المثال: فقد كانت المعاهد العلمية مؤسسة كبيرة معتدلة في مناهجها وتوجهها تتبع الحركة الإسلامية.
وقد ولدت بصورتها الحقيقية عام 1974 في عهد الرئيس الحمدي، وصدر قرار الرئيس صالح عام 1980بإنشاء هيئة خاصة بها تسمى الهيئة العامة للمعاهد العلمية، ووصل عددها قرابة ألف ومائتين معهد، ثم توسعت حتى أصبحت قرابة 4000معهد في مختلف مناطق الجمهورية اليمنية، وكانت ميزانيتها قبل الغائها تقدر بسبعة مليار ريال يمني تدفع من خزينة الدولة، وتضم أكثر من 400 ألف طالب تمارس استقلاليتها المالية والإدارية ووضع المناهج المناسبة لها واختيار المدرسين والمباني.
ثم جُعلت إدارتها تتبع وزارة التربية والتعليم باسم الهيئة العامة للمعاهد العلمية؛ يحصل كل منتسبيها على جميع الحقوق والواجبات، والالتحاق بالوظيفة العامة، وإكمال دراستهم الجامعية في المعاهد و الكليات والجامعات اليمنية المدنية والعسكرية لأكثر من عقدين من الزمن، وكانت بعض المقررات الدراسية يدرسها جميع الطلاب في جميع المدارس والمعاهد كالمواد العلمية وكتاب توحيد الخالق الذي كان يعالج كثير من الشبهات التي انتشرت داخل المجتمع المتعلقة بالإيمان والعقيدة، وكان لهذا الكتاب وغيره من الكتب الإسلامية الأثر الكبير في معالجة تلك الشبهات؛ كونها تفند تلك الشبهات وتناقشها بطرق نقلية وعقلية، وتبين عدم تصادم العلوم التجريبية الحديثة مع القرآن والسنة.
وقد مرت العلاقة بين الحزب الحاكم المتمثل بالمؤتمر الشعبي العام وحركة الإخوان المسلمين المتمثلة في (التجمع اليمني للإصلاح) أواخر التسعينيات من القرن العشرين بشيء من التوتر الذي وصل إلى ذروته عند تقديم رئيس الحكومة الجديدة عبدالقادر با جمال برنامجه إلى مجلس النواب في 28/4/2001م، والذي تضمن إشارة واضحة إلى توحيد التعليم منهجاً وإدارة وتطبيقاً وإنهاء حالة الازدواجية والثنائية في إشارة واضحة إلى المعاهد العلمية، وبعد حيازة الحكومة على ثقة أغلبية مجلس النواب لبرنامجها (بعد انسحاب كتلة الإصلاح من جلسة التصويت على القانون) اتخذ مجلس الوزراء في اجتماعه الذي عقد بتاريخ 8/5/2001م جملة من القرارات.
كان من أبرزها القرار المتعلق بتنفيذ القانون الخاص بتوحيد التعليم حيث جاء فيه “تطبيقاً للقانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لعام 1992م، وتنفيذاً للبرنامج العام للحكومة الذي أقره مجلس النواب، يقرر مجلس الوزراء ما يلي: “دمج ميزانية المعاهد العلمية مالياً وإدارياً وفنياً في ميزانية وزارة التربية والتعليم ابتداءً من شهر يونيو 2001م، وتشكل في أمانة العاصمة والمحافظات لجان من وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية والتأمينات ووزارة التربية والتعليم والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تتولى صرف مرتبات جميع العاملين في التربية والتعليم ابتداءً من شهر يونيو 2001م”([1]).
وقد أعقب هذا القرار استياء شعبي كبير وبيانات وتنديدات كان من ضمنها موقف الشيخ عبد الله الأحمر رئيس البرلمان اليمني ورئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح في حينه، والذي قدم عريضة احتجاج قوية على هذا الأمر، فقد بعث برسالة للبرلمان اليمني جاء فيها: “أعتذر عن عدم حضور الجلسة التي سيناقش فيها بيان الحكومة، الذي يتضمن إلغاء المعاهد العلمية المؤسسة التعليمية الناجحة، والتي هي من منجزات الثورة والجمهورية التي لا يجوز المساس بها فأرجو قبول عذري.. وشكراً”([2]).
وقد قوبل هذا العرض بصخب واستهجان أعضاء مجلس النواب من غير المؤتمر الشعبي العام، بل الأسوأ من ذلك أن الرئيس صالح أصبح يتوسط عند بعض قيادات الإصلاح للقيام بإسكات من لم يقبل بقرار الإلغاء أو إقناعهم بهذا القرار كما جاء في كلمة الرئيس صالح بقوله “إن اتفاقاً تم في غياب الشيخ الأحمر في خارج البلاد مع قيادات بارزة في حزب التجمع اليمني للإصلاح للأخذ بنظام التعليم في الأزهر الشريف”.
ووفقاً لذلك الأمر أرسلتُ لجنة إلى جمهورية مصر العربية تتكون من نائب وزير التربية والتعليم الدكتور عبد العزيز بن حبتور وعضوي الهيئة العليا لحزب الإصلاح محمد علي عجلان وأحمد القميري ومشرف المحرابي، وأنه تلقى تقريراً من هذه اللجنة وأمر بإحالته إلى الحكومة لتنفيذ ما جاء فيه من توصيات، وأكد أن إجراءات الدمج للمعاهد العلمية في إطار التعليم العام ستستمر فضلاً عما يتعلق بالمناهج في إشارة إلى أن هذه العملية تشمل الدمج إدارة ومنهجاً. وقال: لا يجوز إيقاف هذه الإجراءات التي تم قطع شوط كبير فيها. ونوه الرئيس علي صالح إلى أن ما يسري في عملية الدمج على معاهد البنين ينطبق على معاهد البنات.
وأعرب عن الأمل في التعاون والتفهم لهذا الإجراء وإقناع من لم يقتنع في قيادة حزب الإصلاح بهذه الخطوة وبسلامتها. واستمر في الضحك عليهم ودغدغة عواطفهم بقوله: «لإننا نُكن للإصلاح وقيادته وكوادره كل المودة والاحترام والتقدير وليس هناك فرق بين الإصلاح والحكومة فكلاهما جزء من الدولة والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية» ([3]).
وتبعه تصريح الأستاذ نصر طه مصطفى إن السبب الموضوعي لإلغاء المعاهد هو: أنها استنفذت الغرض من وجودها وأنها فشلت في تحقيق هدفها الذي نشأت من أجله”، وأكد أن وجودها أصبح مبرراً في انتشار أنماط من التعليم المذهبي والطائفي في كل أرجاء اليمن. وقال: إن عملية دمج المعاهد العلمية في إطار التربية والتعليم يفترض أن تكون الخطوة الأولى لمعالجات جادة لوضع التعليم عموماً ووضع حـد للتعليم المذهبي الذي ينخـر في جسد الوحدة الوطنية ([4]).
وفي الحقيقة لم يكن تصريح الأستاذ نصر طه غير موضوعي ولم يكن في محله بإن المعاهد العلمية لم تحقق هدفها التي أنشأت من أجله، وبالعكس فقد كان لها الدور الكبير في رفد التعليم ونشر التثقيف والحفاظ على الفرد بالإضافة إلى الحفاظ على الهوية الوطنية المتمثلة الثورة الجمهورية والوحدة وكذلك الهوية الدينية بشهادة الكثير من القيادات الرسمية، وفي حال افتراضنا لصحة ما قاله الأستاذ نصر طه بإن الغرض من الدمج هو إزالة أنماط التعليم المذهبي والطائفي والحزبي فإن الحوزات والمراكز العلمية التابعة للحوثيين أو الجارودية تنشط في بعض محافظات الجمهورية بمنهج خاص لا يخضع للرقابة الحكومية، بل إن كثير من قيادتهم كانوا يقومون بالتدريس في الجامعات الحكومية ويبثون سمومهم في عقول الطلاب استغلالاً لحالة الانقسام السياسي بين الحزب الحاكم والإصلاح ولم يتم اتخاذ أي قرار حيالها مما يؤكد أن إلغاء المعاهد العلمية لم يكن إلا جزء لا يتجزأ من تنفيذ الأجندة الغربية في تجفيف منابع التعليم الديني.
بل الأسوء من ذلك أن بعض قيادات الحركة الإسلامية بدأت باختلاق المبررات الواهية عن قرار الإلغاء والموافقة على دمجها وتعميمها على الأفراد، أن كل مدرس من المعاهد قد أصبح معهداً بحد ذاته، وأن قرار إلغاء المعاهد أصبح من المنح العظيمة لأبناء الحركة الاسلامية كونهم سيدخلون المدراس الحكومية في جميع محافظات الجمهورية، وينشرون التعليم والثقافة بنفس الوتيرة السابقة وأكثر، وأصبحوا يلمزون أولئك الذين كانوا يحرضون الشعب على عدم قبول هذا القرار بأنهم أفراد لا يؤخذ بقولهم، وأنهم يريدون إدخال الحركة في صراعات مع النظام وهم في غنىً عن ذلك، كالشيخ عبد الله الأحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني والشيخ عمر أحمد سيف وغيرهم.
وفي الحقيقة فقد كان رضوخهم لقرار إلغاء المعاهد العلمية آثار سلبية وكارثية على المستوى التعليمي من جهة، وعلى الأساتذة والمدرسين من جهة أخرى، فقد تم تخفيف كثير من المواد في المناهج الدراسية التي كانت تطلق عليها الحكومة حملة تخفيف الجرع الدينية وتجفيف المنابع التربوية في المدارس والجامعات، والتي كان لها الأثر الكبير في الحفاظ على الهوية الدينية والوطنية، وتم إقالة أغلب المدراء والأساتذة والمدرسين أو إرسالهم إلى مدارس بعيدة في محافظات أخرى أو إرسالهم إلى الريف بعيداً عن أقاربهم وأهاليهم، وتم مساومة الكثير منهم على الخروج من حزب الإصلاح حتى يبقى في مكانه، أو تحويلهم إلى موجهين لا علاقة لهم بالعملية التعليمية والاحتكاك بالطالب الناشئ بصورة يومية، وقد كان الكثير من الأساتذة يطلبون من الحزب مواقف أشد صرامة وحزماً تجاه مظلوميتهم مع الحزب الحاكم دون استجابة، وقد سبب هذا التجاهل تراجعاً كبيراً لشعبية الحزب وخاصة في المحافظات الأكثر كثافة سكانية اليمن كـمحافظات إب وتعز والحديدة وحجة.
يقول الصحفي محمد مصطفى العمراني: الحقيقة أن الإصلاح استفاد من المعاهد العلمية، فتلك المعاهد كانت بمثابة المحاضن التربوية الذي خرجت عشرات الآلاف من الشباب الذين يحملون فكر الإصلاح الإسلامي إن لم نقل منضوين في عضويته، كما أن المعاهد العلمية وسعت من قاعدة الإصلاح في عموم اليمن وأعطته زخماً وحضوراً كبيراً على الساحة فحيثما وجدت معاهد علمية وجد للإصلاح حضوراً وأنصاراً والعكس.
ثم يفند ما يقوله البعض إن المعاهد وجدت لتواجه الفكر الماركسي المتنامي حينها، لكن الشيخ عبد المجيد الزنداني حدثني ذات مرة أن الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي رحمه الله لكي يقلص من نفوذ وسلطات مشايخ القبائل قرب بعض العلماء منه، ووافق على إنشاء مكتب الإرشاد الذي أداره الشيخ الزنداني ووافق كذلك على إنشاء المعاهد العلمية التي تبناها الشيخ الزنداني كفكرة وأشرف على تأسيسها وأدارها القاضي يحيى لطف الفسيل وساعده في إدارتها أو إدارة بعضها الشيخ عمر أحمد سيف رحمهما الله وهما لم يكونا في الإصلاح الحزب… -ومع ذلك فلم يتمكن الحمدي من استقطابهم- ثم يقول وإذا كان الإصلاح قد أرتكب خلال إدارته للمعاهد بعض الأخطاء فلا تبرر على الإطلاق إغلاق المعاهد العلمية، كما أن المؤتمر الحزب اتبع بعد إغلاق المعاهد العلمية وتفرده بالسلطة سياسة إقصاء ظالمة، فعزل المدراء المنتمين للإصلاح وأعاد توزيع المعلمين المنتمين للإصلاح بما يشتت شملهم ويفرق جمعهم ودفع التعليم الثمن..حتى أن بعض الشخصيات من غير حزب الإصلاح من المؤتمر وبعضها من الاشتراكي المعروف يومها كخصم فكري للإصلاح وللمعاهد اعترفوا في لقاءات ومناسبات بأن التعليم في المعاهد العلمية كان أفضل بكثير من المدارس التابعة للتربية ..وفي الحقيقة أن التعليم تدهور كثيراً بعد إغلاق المعاهد العلمية. ويؤكد باختصار أن المعاهد العلمية توقفت بقرار سياسي وستعود بقرار سياسي خاصة وأن اليمن يشهد ظروفاً مشابهة لظروف نشأة المعاهد ([5]).
وهكذا فما أشبه الليلة بالبارحة فعندما سقطت كثير من المحاضن التربوية للحركة الاسلامية تحت مبررات واهية فقد سقطت صنعاء 2014 بمبررات واهية ومتخذ القرار واحد في كلتا الحالتين.
دور القرآن:
بعد إلغاء المعاهد العلمية المحضن الأول للحركة الإسلامية تم فتح المئات من دور تحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية في كل محافظة وكل مديرية وكان طلابها يحفظون القرآن الكريم ويدرسون العلوم الشرعية، وكانت تلك الشهادات تعادل الثانوية العامة التي تمكن الطالب من إكمال دراسته الجامعية. وكان يتم اعتماد تلك الشهادات من قبل وزارة التربية والتعليم إلى بداية عام 2000م، ثم بدأت المضايقة لأصحاب تلك الشهادات من قبل التربية والتعليم، والتعليم العالي التابعتان للحزب الحاكم؛ حتى يعزف الطلاب عن الذهاب إليها، وكذلك من دخول الجامعات مع أن القانون كان ينص على أن شهادة حفظ القرآن تعادل الثانوية العامة.
مما يؤكد أن الحكومة كانت تسير في برنامج يحدَّ من مناهج التعليم الشرعي داخل المجتمع اليمني.
وهكذا تم وضع قوانين وشروط للتعليم في الجامعات والكليات والمعاهد العليا تحدَّ من عمل العلماء والمشايخ الذين كانوا يحاضرون داخل الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد والكليات العسكرية، مع العلم أن أغلب الدكاترة وأساتذة الجامعات تخرجوا على أيدي هؤلاء العلماء والدعاية، مع أن القوانين النافذة كانت تنص على معادلة تلك الشهادات والإجازات العلمية بما يعادلها من الشهادات في جميع المستويات التعليمية.
المدارس الأهلية:
تمكن التيارات الإسلامية بعد إلغاء المعاهد العلمية من فتح الكثير من المدارس الأهلية تحت إشراف وزارة التربية والتعليم وكان لتلك المدارس رواج كبير داخل اليمن وأثر كبير في استيعاب الكثير من الأيادي العاملة من أساتذة واداريين، إضافة إلى أنها كانت تدر الكثير من الأموال للحركة الإسلامية حتى تحولت الكثير منها إلى مدارس ربحية أكثر من أنها مدارس تقدم خدمات تعليمية وتربوية ودعوية، مع المناهج لم تكن بذاك المستوى السابق التي تجعل الطالب مؤهلاً بسلاح العلم والإيمان والثقافة الكافية. وبعد تخفيف الدروس في المناهج والمقررات الدراسية وخاصة مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية والفقه والثقافة والقرآن الكريم وعلومه.
المراكز السلفية:
كان للدعوة السلفية أثر كبير في البلاد على يد مؤسسها الأول الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، وكان لها اهتمام كبير في نشر السنة ومنهج السلف الصالح والوقوف في وجه التشيع، لقد تخرج من تلك المراكز العديد من العلماء والمحدثين والدعاة، لكن سرعان ما طرأ عليها الانقسامات بسبب التفسيق والتبديع لشركائهم في الحقل الدعوي تحت مبررات واهية كالتعددية السياسية والحزبية بداية التسعينات مما جعلهم يشنون حملات مورس فيها الغلو والتطرف ضد بقية الأطراف في حقل الدعوة، بالإضافة إلى تحريمهم وتجريمهم للمشاركة في العملية السياسية، ثم تبعها الكثير من الجمعيات والمؤسسات والمراكز مما جعل الكثير من الطلاب والمشايخ يخرجون من تلك المراكز ويقومون بإنشاء مراكز وجمعيات لنشر الدعوة السلفية بطريقة أقل تشدداً من سابقتها والانفتاح على بقية الجماعات والجمعيات الدعوية المتواجدة في الميدان كجمعية الحكمة والإحسان وجماعة أبو الحسن المأربي وغيرهم؛ بل إنهم قاموا بالمشاركة في ثورة 2011 وبتأسيس أحزاب للمشاركة في العملية السياسية كــحزب الرشاد وحزب السلم والتنمية، وكان لهذه الأحزاب مشاركة فاعلة نوعاً ما في العمل السياسي بالإضافة إلى الدفاع عن عقيدة الشعب وثوابته الوطنية المتعلقة بالثورة والجمهورية والوحدة.
ولكن كل هذه الجمعيات والجماعات الدعوية كانت ترى في نفسها أنها صاحبة الحق وانشغلوا بذلك مع بعضهم البعض في الميدان الدعوي، مما جعل جماعة الحوثي تنشط في أعمالها وأنشطتها الفكرية والدعوية بعد 2011 وقبلها أثناء الحروب السبعة وكل ذلك بسبب تفرق الخصوم في بقية التيارات الإسلامية حتى تمكن من السيطرة على مركز دماج السلفي وجامعة الإيمان ومركز الدعوة وغيرها من الجامعات والجمعيات والمراكز الدعوية.
والملاحظ لواقع الحركات والجماعات الدعوية أنها لم تكن عند مستوى المسئولية خلال تلك الفترة الذهبية مع وجود هامش كبير من الحريات أثناء حكم النظام السابق وبعده، في حين أن الإمامية والجارودية والخلايا النائمة لإيران كانت تعمل على خارطة الأرض المحروقة سعياً منها في تحويل كثير من الدول العربية والإسلامية إلى ولايات إيرانية فارسية ومن ضمنها اليمن. وقد كان الكثير من المفكرين وأصحاب الرأي يحذرون من خطورة تمدد الجماعات المتطرفة الموالية لإيران على الشعوب والأنظمة لكن دون جدوى. في حين كان النظام السابق يغذي بعض تلك الصراعات لأهداف سياسية ولتصفيات داخلية، وقد كانت أيضاً الجماعات الإسلامية تعيش فترة من الترف الفكري وافتعال الصراعات الداخلية المختلقة مع بعضهم البعض من أصحاب الفكر والتوجه الواحد من جهة، أو الخوض في صراع سياسي مع النظام السابق بقيادة الرئيس صالح من جهة أخرى حتى وقع الفأس على الرأس ونصب الحبل على المشنقة، وسقطت صعدة وعمران وتبعها صنعاء “، وسقط الجيش والأمن والدولة والأحزاب وقتل صالح”.
وللأسف حتى اللحظة لا تزال تلك الصراعات متواجدة بين العاملين في الحقل الدعوي، وقد تكون هذه الصراعات أحياناً بسبب المصالح الشخصية أو الحزبية الضيقة أو الولاءات الإقليمية التي لا تريد إيقاف الصراعات القائمة داخل اليمن. وتفريخ الجماعات ودعم الأشخاص سعياً منهم في تمزيق الممزق وتقسيم المقسم تحت مبررات واهيه ولأهداف آنية في حين تجاهل الخطر الأكبر العقدي المنظم الذي يطوق المنطقة العربية عامةً من جميع الجهات، ومكة والمدينة على وجهة الخصوص.
الجامعات:
افتتحت الحركة الإسلامية وغيرها من الجماعات عدد من الجامعات الخاصة بعد الوحدة عام 1993 بهدف استكمال أنشطتها العلمية والدعوية والثقافية، وكان لهذه الجامعات والكليات الأثر الكبير في تخريج الكوادر المتميزة في جميع المجالات التي يحتاجها المجتمع في العلوم الشرعية أو التطبيقية والتجريبية، وخففت على الدولة الكثير من الأعباء في إرسال الطلاب للدراسة في الخارج لتغطية العجز الموجود في مؤسسات الدولة، وتميزت تلك الجامعات بمناهجها المعتدلة التي تتوافق مع دستور البلاد وقوانينها النافذة، ومستمده من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ودراسة العلوم الحديثة التي تمكن مخرجاتها من مواكبة العصر،…كان من أبرزها جامعة الإيمان الإسلامية التي يديرها عضو مجلس الرئاسة سابقاً الشيخ عبد المجيد الزنداني، وجامعة العلوم والتكنولوجيا والجامعة الوطنية وجامعة القرآن الكريم، وجامعة القلم، وجامعة الحكمة، جامعة أزال وجامعة دار العلوم الشرعية، وجامعة الأحقاف ودار المصطفى. وكانت تتمتع هذه الجامعات والكليات باستقلالية مالية وإدارية وفقاً لقانون التعليم العالي اليمني، ورغم المضايقات التي كانت تقوم بها الدولة مؤخراً لأهداف سياسية بحته بفرض قوانين تحدَّ من أنشطة التعليم العالي في الجامعات الخاصة، وتمارس التدخل في بعض شؤونها، ولكنها لم تنجح بالصورة المطلوبة مع كثير من الجامعات، أو تغيير ولائها لصالح جهة معينة، ثم قامت بمحاولة إلصاق التهم لبعض تلك الجامعات واتهامها للقائمين عليها أو طلابها بتغذية الإرهاب، وحتى عام 2014 بعد دخول الحوثيين صنعاء بدأت تتقلص أنشطة وصلاحيات أغلب تلك الجامعات بل إن البعض منها أغلق والبعض الأخر تم السيطرة على إدارته من قبل الحوثيين، وتم اعتقال أساتذتها وقيادتها وطلابها، مع أن تلك الجامعات كانت ولا زالت تشكل رافداً كبيراً للدولة وتقوم بدور متميز بالتوعية والتثقيف والتربية والحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية. وتدرس المنهج الوسطي وتقدم الخدمات اللازمة.
صحيح أن بعض تلك الجامعات تحولت أهدافها إلى ربحية ولكن هذا لا يعطي المبرر لمضايقتها والتقليص من أنشطتها سواءً من النظام السابق أو الحوثيين أو النظام الحالي، وهذا ما دفع بعض المنتسبين للتيار الإسلامي تصديق تلك الاتهامات متناسين حتى اللحظة دور الجامعات والكليات في كثير من الدول في رفد المجتمع بالكوادر المختلفة في جميع التخصصات. بل الأسوأ من ذلك أن المتخرجين من بعض تلك الجامعات كانوا لا يحصلون على حقوقهم من الوظيفة العامة ودخول المعهد العالي للقضاء الذي يُعد حقاً من حقوقهم؛ كون السلطة القضائية تعتبر السلطة الثالثة في الدولة. بالرغم من وجود توجيهات عليا من رئاسة الجمهورية، حتى أن البعض أعتبر السلطة القضائية أصبحت بيد طرف موالي للتيار الإمامي والحوثي الذي يتم تمكينه من قبل أطراف في النظام السابق بمخالفة صريحة لشروط الدراسة في المعهد العالي للقضاء. حتى أن أثر على مخرجات القضاء وأصبح كثير من القضاة لا يتمتعون النزاهة والأمانة المنصوص عليها في قوانين وأنظمة الدولة.
اللقاء المشترك 28 ديسمبر 2002:
يرى البعض أن تأسيس تكتل اللقاء المشترك كان عبارة عن كيان سياسي يمني خالص يمكن من خلاله مواجهة استبداد النظام الحاكم سابقاً ممثلاً بالمؤتمر الشعبي العام، بالإضافة إلى وجود حاجة ملحة لتأسيسه والتنسيق بين مكوناته في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية وفق قواعد وبرامج متفق عليها، وكذلك الاتحادات النقابية والطلابية التي كان لها حضور وزخم شعبي في بداية الأمر ثم تلاشى ذلك الحضور، وخاصة عندما كانت تتم التراشقات الإعلامية بين أعضاء التكتل والخلاف حول الكثير من القضايا؛ كانت أبرزها ما يتعلق بتمرد الحوثيين في صعدة والحراك الانفصالي الذي يرفع مظلوميته عبر القضية الجنوبية بالإضافة إلى الخلافات الفكرية بين مكونات ذلك التكتل، وقد تم إنشاء هذا التكتل رغم وجود التناقضات والتباينات بين الأحزاب المنضوية تحته ما بين يسارية وقومية وإسلامية(التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، حزب البعث العربي الاشتراكي القومي، حزب الحق واتحاد القوى الشعبية)، وحتى يتم الاستفادة منه في تقديم الحزب الأكبر فيه “التجمع اليمني للإصلاح” لدى الغرب كحزب معتدل، وأن أكبر دليل على اعتداله هو قبوله بالعمل السياسي في كيان واحد يضم الإسلاميين واليسارين والقوميين وغيرهم، وحتى لا يتم تصنيفه ضمن الجماعات الإرهابية، وقد تكون هذه المبررات مقبولة نوعاً ما.
بينما يرى البعض أن هذا الكيان قد أثر تأثيرا ًكبيراً على شعبية الحزب، وذلك من خلال تراجع أدائه في الانتخابات النيابية والمحلية بالإضافة إلى ضياع أهداف الحزب و أدبياته الإسلامية وانكماشها في بقية أهداف الأحزاب المتواجدة في التكتل، وعدم الاستفادة منه بالصورة المطلوبة التي كان يروج لها بعض قيادات الحزب بأنه سيتمكن أفراد الإصلاح من الدخول إلى المناطق التي كانت تتواجد فيها بقية الأحزاب اليسارية والقومية، ولكن الملاحظ لهذا التكتل يشاهد أن الأحزاب غير الإسلامية كانت هي المستفيد الأكبر من هذا الكيان مع أنها أحزاب كانت قد أوشكت على الاندثار وليس لديها قواعد شعبيه بالصورة المطلوبة بل إن البعض منها كان عبارة عن واجهه سياسية لجماعات متطرفة لنشر الفوضى، وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار وضرب النسيج المجتمعي في اليمن كما كان في صعدة أو في الجنوب، وجعلت الحزب يغير كثيراً من أدبياته وخطاباته، وتمارس الضغط على تغيير بعض قياداته المتواجدة فيه، والتي لا تنسجم مع رؤى وأهداف تلك الأحزاب، وقد أثر كثيراً هذا على شعبية الحزب لدى المناصرين والمتعاطفين معه من غير الإصلاح، مما جعل البعض يعلقون على هذا الكيان بقولهم هل أسلم الاشتراكي أم كفر الإصلاح؟ استناداً منهم على بعض الفتاوى التكفيرية المزورة المنسوبة لبعض قيادات الإصلاح خلال حرب الانفصال 1994.
والأهم من ذلك أن الغرب لم يقتنع بهذا الحزب الإسلامي رغم اعتداله في منهجه وقياداته ومنتسبيه وتقديم الحزب لكثير من التنازلات التي أثرت على شعبيته وأعضائه وأخرجته عن أهدافه المعلنة والطابع الإسلامي الكامل.
والأسواء من ذلك أن علاقة الحزب الحاكم تأثرت كثيراً مع الإصلاح وزاد من حدة التوتر بينهما وزاد النظام السابق تعنتاً واستمر في فساده واقصائه للإصلاح على وجه الخصوص ومضايقة مؤسساته ومنتسبيه، بل جعلت الحزب الحاكم يلفق كثيراً من التهم لدى الغرب لإدراج قيادات في الإصلاح ضمن قوائم الإرهاب كالشيخ الزنداني، ويستخدم الوشاية ضد البعض كما حصل مع الشيخ المؤيد. وعندما تم اشهار هذا الكيان اتهم البعض النظام السابق في 28 ديسمبر 2002 بتدبير عملية اغتيال القيادي الاشتراكي جار الله عمر في أول يوم من إشهار التكتل في مؤتمر الإصلاح وتلاه اختطاف الشيخ محمد المؤيد واغتيال القيادي المؤتمري “المتوكل” الذي كان يتهمه البعض أنه يعمل ضمن مشروع عودة اليمن إلى الحكم الإمامي.
أن حادثة اغتيال جار الله عمر كما يراها البعض أنه تم ترتيبها من قبل النظام حتى يتم الدفع بقوة لاستمرار الأحزاب في الانضواء تحت هذا الكيان (اللقاء المشترك) وصياغة أهداف موحدة لتلك الأحزاب بعيداً عن الأهداف والتوجهات الإسلامية، بينما يرى أخرون أن حادثة الاغتيال جاءت لإثارة الفتنة بين الأحزاب المنضوية في تكتل اللقاء المشترك من جهة كونه تم اتهام حزب الإصلاح وبعض منتسبيه بتنفيذ عملية الاغتيال، ومن جهة أخرى لإثارة الفتنة بين هذه الأحزاب وبين الحزب الحاكم حتى لا يستمر بالانفراد في السلطة.
ولعل الرأي الأول هو الأنسب كون التقارير الأجنبية تؤكد أن فكرة تأسيس تكتل اللقاء المشترك كان فكرة غربية خالصة تم اقناع بعض القيادات الإصلاحية من القبول بها. ويظهر ذلك فيما نشره معهد السلام الأمريكي عام 2007 أن المعهد الديمقراطي الأمريكي لم يكن هو من أنشأ اللقاء المشترك لكن أعضاء كلا الحزبين الإصلاح والاشتراكي أثنوا على المعهد لنصائحه وتدريباته ومثمنين اسهامات المعهد المهمة في تعزيز جهودهم المشتركة، وركز المعهد على الترويج لبرنامج المشترك للإصلاح، وربما يكون اللقاء المشترك هو النجاح الأكثر لعمل المعهد الديمقراطي الأمريكي في اليمن بين التحالف العلماني الإسلامي، وأن أمين عام الإصلاح صرح بقوله: وضعنا أجندتنا الإيدلوجيا جانباً من أجل شيئاً واحداً مشتركاً بيننا، وأن المعهد جمع الأحزاب سويةً واستضاف اجتماعات عديدة للمشترك ودعم الإصلاح والاشتراكي في عدد من السفرات إلى الخارج، ويؤكد التقرير بأن الأحزاب يمكن أن تشكل بسهولة أكثر علاقات وثيقة ومهمة في الاجتماع خارج اليمن([6])، ويؤكد ذلك أيضاً التصريحات المثيرة للجدل لقيادات في تكتل اللقاء المشترك ضد قيادات في التجمع اليمني للإصلاح كـتصريحات د. ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، ود. محمد عبد الملك المتوكل رئيس حزب اتحاد القوى الشعبية، و د. حسن زيد الأمين العام لحزب الحق كلها تصب في هذا الاتجاه.
ثورة 2011 الفرصة السانحة (الذهبية):
لم تكن الثورة اليمنية كما يذكر البعض ضمن الثورات المدعومة من الخارج بهدف إسقاط النظام، ولكن الملاحظ لما كان يدور في الساحة اليمنية فإنه يشاهد انسداد شبه كامل للأفق السياسي بدءً من فك الارتباط بين الإصلاح والمؤتمر بعد انتخابات 1997م ([7]). وما تبعتها من تراجع كبير للإصلاح في انتخابات 2003 فلم يتمكن من الحصول إلا على 45 مقعداً من إجمالي المقاعد 301 ([8]).
ولذلك فقد كان هذا التراجع واضحاً لأداء الإصلاح في الانتخابات النيابية بشكل ملحوظ. فإذا كان الإصلاح في انتخابات 1993 قد حصل على 66 مقعداً، فإنه قد تراجع إلى 53 مقعداً عام 1997، وأما 2003 فإنه لم يحصل إلا على 45 مقعداً.
مروراً بإلغاء المعاهد العلمية كما سبق بيانه، وبالإضافة إلى مضايقة الأساتذة والمدرسين والطلاب الذين كانوا يعملون في المعاهد، وتأسيس تكتل اللقاء المشترك، وإدراج شخصيات إخوانية يمنية في قائمة الإرهاب بإيعاز من النظام السابق. ثم تبعه الانتخابات الرئاسية والمنافسة الشديدة 2006 ولم يحصل مرشح المعارضة إلا على نسبة (21،82%)([9])، بينما يرى البعض أن مرشح المعارضة حصل أكثر من ذلك، ثم اتجه النظام الحاكم إلى تقنين فترة الرئاسة بالتمديد له والتوريث لنجله، وعدم الاستجابة لتصحيح جداول الناخبين، وبفتح مراكز التسجيل للانتخابات بصورة منفردة، وعدم التوافق على اللجنة العليا للانتخابات وانتهاءً بقلع العداد (وتصفيره)، والاعتداء على مظاهرات ومسيرات الهبة الشعبية 2010 التي كانت ترفض كل ما سبق من الإجراءات الأحادية وتعتبرها غير دستورية وأنها تسير بالبلاد إلى نفق مظلم، بالإضافة إلى استشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة والعبت بالمال العام والوظيفة العامة وارتفاع الأسعار وغيرها فقد كانت هذه الإرهاصات عبارة عن مؤشرات واضحة لقيام انتفاضة شعبية ضد النظام والخروج على الرئيس.
وبعد أن قامت الثورات في تونس 17 ديسمبر 2010 – 14يناير 2011 ومصر 25 يناير 2011 – 11 فبراير 2011 وسقطت الأنظمة بداية 2011 فإنها فقد قدمت جرعة حماسية لكثير من أبناء الشعب اليمني بالخروج لإسقاط النظام الحاكم على هذا الشعب، وقد بدأت بعض المسيرات والمظاهرات تخرج من الجامعات بصورة عفوية غير مدفوعة من أي جهة خارجية، بخلاف أولئك الذين كانوا يحاولوا أن يتصدروا المشهد من الناشطين المدفوعين من منظمات أجنبية التي تسعى لتنفيذ برامج خاصة في نشر الفوضى، وتُنفذ أجندة خارجية داخل العالم العربي، ولكن الحركة الإسلامية في اليمن، والتي كانت أكثر احتكاكاً بالشعب اليمني، كانت أكثر وعياً بالأساليب السياسية، وقد أحست بهذا التوجه للمنظمات فقررت أن تملأ الميادين والساحات بأتباعها والمتعاطفين معها فشلَّت بذلك حركة هؤلاء الذين دُربوا في الخارج على هذه الأساليب؛ لتنفيذ المخططات الأمريكية والغربية، ولكنها في المقابل حاولت أن تقنع الغرب أنها لا تمثل عِداءً لهم، وإنها تمارس حقها في المشاركة بالأعمال الوطنية والسلمية بحسب الحق المكفول لها في الدستور والقانون اليمني النافذ، ولكن المنظمات الأجنبية المشبوهة حرصت على تطوير علاقتها في التعامل مع القوى الإسلامية، وما زالت هذه العلاقة تتسم بالغموض وعدم الشفافية حيث لا يدري الكثير من الأفراد عن أبعاد تلك العلاقات والالتزامات المتبادلة.
فأصبحت المظاهرات والمسيرات تزداد يوماً بعد يوم، وتم اختيار بعض الشخصيات الشعبية والرسمية لتقديم الوساطات والضمانات من قبل السلطة، لدى أحزاب اللقاء المشترك والمتظاهرين في الساحات، ولكن النظام في النهاية لم يقم بحماية المظاهرات والمسيرات السلمية، وإنما قام بقمعها والاعتداء عليها، مع وجود تلك الوساطة من العلماء والقيادات العسكرية والمدنية، وعندما استمر النظام برفض الوساطات وقام بتهديد بعضهم ، واعتدى على الشباب العزل في الساحات زاد السخط الشعبي وتدفق المتظاهرين إلى الساحات بصورة أكثر، حتى جاءت جمعة الكرامة18 مارس 2011 فقتل أكثر من 50 شاباً وجرح المئات وجعلهم النظام أهدافاً للقناصة الذين كانوا يتمركزون في البنيات المطلة على الساحة في صنعاء ولم يحرك النظام ساكناً، وقد كانت هذه الحادثة المأساوية هي النقطة الفاصلة بين النظام وأحزاب المشترك والعلماء والمشايخ والعسكرين والمثقفين والمفكرين من جهة، وبين قيادات المؤتمر والجيش من جهة أخرى، فإنها كانت ترفض الاستهانة بالدماء وقتل الشباب العزل، فبدأ الكثير من القبائل والشخصيات والعلماء يخرجون عن صمتهم ويؤكدون حق المتظاهرين الذين يعبرون عن مطالبهم بطرق سلمية مكفولة في الدستور والقانون في تظاهراتهم السلمية، ويدعون القبائل والجيش إلى حمايتهم، فاستجابت لهم القبائل وتبعهم الجيش، ففي 21 مارس 2011 تم انضمام كثير من الوحدات العسكرية وعلى رأسها الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن صالح وبدأت بحماية المتظاهرين، وتبعه انضمام أغلب المناطق العسكرية للقوات المسلحة وكذلك الأمنية فأصبح النظام شبه مشلول ليس لديه قيادات عسكرية مرغوبة عند الشعب، وأصبحت محاصرة على جميع مداخل العاصمة صنعاء، و كذلك أصبح النظام بدون مشايخ قبائل متبوعين ولا علماء مسموعين، وقد كانت هذه الانضمامات عبارة عن فرصة ذهبية سانحة للحركة الإسلامية ومناصريها أن تقوم باستلام الحكم في اليمن، أو اختيار قيادات وطنية قوية تقوم بإدارة البلاد، ولكنها أصيبت بالغرور المفرط وقيادات ضعيفة لم تكن مناسبة لقيادة المرحلة، وركنت إلى وعود وهمية في مبادرة خليجية وآلية تنفيذية، ومراهنات على قوى خارجية أنه سيتم من خلالها نقل السلطة بطريقة سلمية، فبدأت ترسل شبابها عبر منظمات أجنبية إلى كثير من الدول لإقناعهم بأنهم حركة مدنية إصلاحية معتدلة تؤمن بالديمقراطية وبالحداثة، وترفض العنف، وتؤمن بحقوق المرأة، وتتعاطى مع المنظمات الدولية المختلفة الديمقراطية والحقوقية، وأنهم سيقدمون للغرب الضمانات الكافية في محاربة الإرهاب والتشدد أكثر من النظام الموجود، وبدأ الخطاب في الساحات يتغير وفق ما يريده الغرب فأصبح بعض الثوار الذين يتصدرون المشهد في الساحات ينادون بالدولة المدنية دون ضوابط، وينشدونها في خطبهم وفي خطاباتهم، ويرفعون شعارات محاربة الإرهاب في خطبهم وفي خطاباتهم، وأصبحوا يقدمون الأفكار والرؤى والأطروحات التي تخالف دين الشعب وترفض دستور الدولة وتدعوا للفدرالية والاتحادات، وتدعوا إلى إقصاء العسكرين والعلماء والمثقفين الذين لا يؤمنون بتلك الأفكار، ويؤكدون على موائمة جميع التشريعات الداخلية وفق الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمواثيق الدولية بكل ما فيها، مع أنهم يعلمون بذلك علم اليقين أن الغرب غير مقتنع بهم ويصنفهم إرهابين، وقد صرح القيادي اليمني في اللقاء المشترك حسن زيد أمين عام حزب الحق بقوله: أن المعهد الديمقراطي الأمريكي في اليمن قال إن المجتمع الدولي لن يسمح للثورة اليمنية أن تنجح بما يؤدي إلى وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، وقال أيضاً: إن (ليس كامبل) مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي في المنطقة أبلغنا بأن المجتمع الدولي لن يسمح بأن تحقق الثورة اليمنية انتصاراً قد يوصل الشخصية الإخوانية الشيخ/عبد المجيد الزنداني إلى الحكم ([10]). وهذا ما أكده تقرير معهد السلام الأمريكي عام 2007 المقرب من صانع القرار في أمريكا والغرب عن عمل المعهد الديمقراطي الأمريكي الذي يقوم بالحرب الفكرية والتثقيفية في العالم الإسلامي بصورة عامة وفي اليمن بصورة خاصة، وقيامه بوضع برامج وأنشطه تمكنه من القضاء على القوى الوطنية التي يمكن أن تقف عائقاً أمام المخطط الأمريكي والغربي في المنطقة، والذي يؤكد أن قبلية وراديكالية اليمن تعتبر تحديات جدية للمعتدلين، وأنه يوصي بدعم الأحزاب ومطالبتهم بإقصاء القوى الراديكالية، والقيام بدعم الأحزاب ومطالبتهم بإقصاء القبائل(القوى التقليدية) واقصاء الجيش (الجيش الشعبي) كما يسمونه([11])، وبعد قيام الثورة وتم نزول الثلاث القوى السابقة إلى الساحات وسحبت البساط من أمام منظمات المجتمع المدني والتف الشعب اليمني حولها، وحافظوا على البلد من حمام الدم الذي كان يتوعد بتنفيذيه الرئيس صالح .
وأما الكثير من الناشطين والناشطات في منظمات المجتمع المدني الحقوقية والتنموية المرتبطة بالمنظمات الأجنبية والمدفوعة الأجر مقدماً كمنظمة توكل كرمان ورضية المتوكل وأمل الباشا وغيرهم من المنظمات الشبابية فقد أفصحت عن برامجها وأهدافها داخل الساحات، وبدأت بتنفيذ برامجها وأنشطتها المشبوهة، ثم بدأ بعض الناشطين المأجورين بالدعوة إلى مؤتمر حوار وطني شامل يقصي العلماء والدعاة والمثقفين والمفكرين والعسكرين ومشايخ القبائل الذين وقفوا مع الثوار 2011، أو قاموا بحمايتهم في الساحات أو خارجها، كالشيخ ربيش علي وهبان العليي ومن معه في الحيمتين وبني مطر الذين كانوا يحمون الثوار من المدخل الغربي للعاصمة صنعاء، ومنع وصول الإمدادات والتعزيزات القادمة من الحديدة إلى معسكرات الحرس الجمهوري من الدخول، وكذلك الشيخ/ منصور الحنق وغيره من قبائل أرحب وعمران الذين كانوا يحمون الثوار من المدخل الجنوبي لصنعاء، ومنع معسكرات الحرس الجمهوري من الدخول إلى صنعاء، وكذلك الشيخ صادق الأحمر الذي يقطن قريباً من ساحات الاعتصامات ومن معه من قبائل اليمن، وكذلك مشايخ الجوف ومأرب ونهم الذين كان لهم الدور الكبير في إيقاف التمدد الحوثي، وإيقاف الحرس الجمهوري من التحرك نحو المدخل الشرقي للعاصمة صنعاء، والشيخ الزنداني وجامعة الإيمان الذين قاموا بتأييد الثورة والنزول إلى الساحات، وقاموا بالتحرك بين القبائل اليمنية في أرحب وحاشد وبكيل ودعوتهم إلى حماية المتظاهرين السلمين من بطش النظام، وكذلك الشيخ حمود المخلافي في تعز الذي كان له الدور البارز في حماية المدينة من هجمات الحرس الجمهوري وغيرهم كثير لم يسعنا ذكرهم هنا، حتى أصبحت أغلب مداخل المدن عبارة عن حلقات تحاصر معسكرات النظام الحاكم، ولكن الأغرب من ذلك أن كثير من الناشطين من شباب الساحات كانوا يقومون بمظاهرات ضد القيادات العسكرية ويطالبون برحيلهم مع أن أولئك الجنود كانوا لا يزالون يرابطون في مداخل الساحات لحمايتهم من قوات النظام، وكانوا يعلمون بالخطر الحوثي الكبير سواءً في الساحات أو في غيرها، الذي كان يقوم بتنظيم وترتيب وتدريب أفراده لإيقاع الفتنة بين المتظاهرين في الساحات من جهة وبين المعسكرات الموالية للثورة والمعسكرات الموالية للنظام من جهة أخرى. وكانوا يرصدون مداخل العاصمة صنعاء ومخارجها ويرسمون خرائطها ويصنفون القوى الموجودة فيها ويرسلون الشباب من الساحات إلى صعدة للتدريب والتثقيف والتوعية، بينما كان غيرهم ينامون في سبات عميق وينشغلون بقضايا تافهة ومناصب وهمية،
وصدق شاعر اليمن البردوني عندما قال بعد فشل ثورة 1948:
والأباة الذين بالأمس ثاروا أيقظوا حولنا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب قعدوا قبل أن يُروا كيف قاموا
ربما أحسنوا البدايات لكن هل يحسُّون كيف ساء الختامُ
وفي هذه الأبيات يشير الشاعر إلى أن أنهم حاولوا إسقاط رأس النظام وحاشيته، ولم يكن لهم أي برنامج للإطاحة بالنظام السابق، والتخطيط لما بعد سقوطه. وما أشبه الليلة بالبارحة بين الثورتين بالإضافة إلى أن الغرور وعدم القبول بالطرف الآخر المناصر والمساند للثورة تم تهميشه عند ثوار 2011.
حكومة الوفاق:
عندما تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في 27 نوفمبر 2011 بقيادة الأستاذ محمد سالم باسندوة، شارك في الحكومة جميع الأحزاب السياسية بنسب كبيرة بعضها لا تتناسب مع قواعدها الشعبية، ومن ذلك مثلاً حزب الإصلاح فقد شارك في هذه الحكومة بأعداد بسيطة، ولم يتجاوز عدد أصابع اليد كـوزارة الداخلية والعدل والتخطيط والتربية والتعليم، بالإضافة إلى بعض المحسوبين عليها، بينما حصل المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم سابقاً على نصف مقاعد الحكومة مع أن الثورة قامت ضده، وكذلك الحوثي، وقد كان الكثير من العقلاء وأصحاب الرأي في الداخل والخارج ينصحون حزب الإصلاح بعدم قبول هذا التمثيل؛ لإنها لا تتناسب مع حجمه السياسي والشعبي، وكونه في مقدمة أصحاب الثورة وأصحاب التضحيات في ساحات التغير والحرية، والأكثر حضوراً على المستوى الشعبي في الساحة اليمنية، ولكن قياداته كانت توهم أفرادها ومناصريها، ومن تعاطفوا معها أنهم قد تمكنوا من الحصول على الوزارات السيادية المهمة في الحكومة في الجيش والأمن، بالإضافة إلى حصولهم على العديد من الوكلاء والمحافظين، وكانوا ينشرون بين أفرادهم ومناصريهم أن أوضاع اليمن تحت سيطرتهم، وأن المرحلة الانتقالية ستمر بسلام، وسوف تعود الأمور إلى نصابها، وأن هدفهم الأساس خلال هذه المرحلة هو إزاحة الرئيس السابق ومن معه، فعندما تقدمت حكومة الوفاق ببرنامجها إلى مجلس النواب كان فيه الكثير من المخالفات للثوابت الدينية والوطنية، والتي تخل بأهداف الثورة كان الكثير العلماء وأصحاب الرأي يحذرونهم من خطورة برنامج حكومة الوفاق الوطني على أمن الوطن واستقراره، ولكن الكثير من تلك القيادات لم يستجب لذلك فمن ذلك مثلاً:
- ما صرح به وزير الشئون القانونية د.محمد أحمد المخلافي عن الحزب الاشتراكي اليمني في مقابلة له مع المصدر أون لاين بقوله: لدينا خطة تتمثل بثلاثة اتجاهات منها: اتجاه يتمثل بالالتزامات الدولية، يقول: نحن (اليمن) التزمنا بعدد واسع من الاتفاقيات والمعاهدات، وهي ملزمة لنا ولها أولوية التطبيق على القانون الداخلي…لذلك لدينا مهمة رئيسية وهي موجودة في برنامج الحكومة، وهي مواءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية…وهناك أيضاً اتفاق مع منظمة من منظمات المجتمع المدني بإعادة النظر في بعض العقوبات الموجودة في قانون الجرائم والعقوبات والقوانين المتعددة فيما يتعلق بالإعدام التعزيري، وإعادة النظر بمواءمة هذه التشريعات مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية وغيرها([12]).
- قيام حكومة الوفاق بالاعتذار لأبناء صعدة عن الحروب الست السابقة التي خاضتها الدولة معهم، والاعتذار لأبناء الجنوب عن حرب 1994م([13])، مع أنها كانت حرب شرعية ضد قيادات متمردة على الوحدة، ولكن هذا الاعتذار كان من ضمن الأجندة الدولية لتأجيج الصراع داخل اليمن وتهييج أبناء المناطق الجنوبية أبناء المناطق الشمالية وضد الوحدة، سعياً من ذلك الاعتذار تجريم أبناء اليمن وقواه السياسية الذين شاركوا في الحرب، وكل ذلك حتى تتمكن القوى الأجنبية عبر منظماتها المختلفة من تنفيذ أجندتها بحق تقرير المصير لأبناء الجنوب، وما وصلنا إليه اليوم إلا نتيجة لتلك القرارات الكارثية الغير مدروسة حول القضايا المصيرية التي ارتكبتها القيادات السياسية وصناع القرار بعد 2011.
- قيام حكومة الوفاق بتقنيين العطلة الأسبوعية يوم السبت دون مبرر يذكر، وقد سبب ذلك ضجة كبيرة لدى الكثير من أبناء الشعب، وكانوا يتسألون “كنا ننتظر من الحكومة وضع إصلاحات حقيقية كمحاربة الفساد، وخفض أسعار المواد الغذائية، وتقديم الخدمات الضرورية، وتقديم صورة ناصعة أفضل من الحكومات السابقة قبل الثورة، فلجأ العلماء والوجهاء إلى مخاطبة رئيس الحكومة لبيان المخالفات الشرعية التي تضمنها برنامج حكومة الوفاق الوطني، وأكد رئيس الحكومة للعلماء بخطاب في 21 إبريل 2012 نص على التزام الحكومة برفض كل أمر يخالف الشريعة الإسلامية في كل التشريعات والمعاهدات، وأن الحكومة لن تتقدم بأي مشروع فيه مخالفة للشريعة الإسلامية أو لمقاصدها، وأنها لن تقوم بأي إجراءات تنفيذية لأي معاهدات أو اتفاقيات إذا كان من شأنها مخالفة الشريعة الإسلامية الغراء، ثم أُرسلت هذه الرسالة إلى رئيس الجمهورية، وأكد على اعتماد ما جاء في رسالة رئيس حكومة الوفاق”.
- من خلال ما سبق ذكره من الأمثلة وغيرها قدمت حكومة الوفاق صورة سيئة عن الثورة؛ كونها لم تهتم بتقديم البرامج والخدمات اللازمة، والمشاريع التنموية التي كان المواطن اليمني ينتظرها ويتطلع إليها من خلال ثورته، وأصبح وزراء الحكومة عبارة عن شركاء متشاركون يعبثون بالوظيفة العامة، والمال العام وفق محاصصات حزبية ومناطقية وعصبوية لا تخضع للقوانين المتعلقة بالكفاءة، بالإضافة إلى وجود بعض الكفاءات الموجودة في الحكومة إلا أنهم قد اصطدموا بمجموعة من هوامير الفساد الذين خلفهم النظام السابق، أو من أولئك الذين يتسترون خلف ثورة الشباب؛ مما زاد الوضع تعقيداً، وتم تغير كثير من الوزراء وفقاً لقرارات رئيس الجمهورية عبدربه منصور الذي يعد انقلاباً واضحاً على التوافق الموقع عليه بين القوى السياسية، واستكمل ذلك الانقلاب بإقالة رئيس الحكومة محمد سالم با سندوة.
مؤتمر الحوار الوطني2012م:
بعد التوقيع على خطة الانتقال السلمي للسلطة في اليمن وفقاً للمبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية في 23 نوفمبر 2011، تضمنت المبادرة الخليجية مجموعة خطوات كان من ضمنها التحضير والتنفيذ لقيام مؤتمر وطني شامل، يهدف إلى تمكين كل المجموعات والقوى السياسية للمشاركة في اتخاذ قرارات تاريخية، وما يلي ذلك من استفتاء شعبي على تلك المخرجات، والدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، وقد تم تشكيل لجنة للاتصال والتواصل في 6 مايو2012 كان من مهامها التواصل مع كافة الأطراف السياسية والمجتمعية في اليمن والتهيئة للحوار، وتبعها تشكيل اللجنة الفنية في 14 يوليو 2012، وبعد انتهاء عمل اللجنة الفنية التي تحدد أهداف مؤتمر الحوار، ووضع الأسس والمحددات لجميع القضايا المطروحة في الساحة.
وفي 13 مارس 2013 تم افتتاح فعاليات مؤتمر الحوار الوطني، وفي 11 يناير 2014 قدمت جميع فرق العمل التسع خلاصة عملها ([14]).
وقد كانت نسب التمثيل للأحزاب والقوى السياسية على النحو التالي:
حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح وحلفاؤه 112 مقعداً، التجمع اليمني للإصلاح 50 مقعداً، الحزب الاشتراكي اليمني 37 مقعداً، التنظيم الوحدوي الناصري 30 مقعداً، أحزاب البعث والتجمع الوحدوي واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق والمجلس الوطني 20 مقعداً، الحراك الجنوبي 85 مقعداً، جماعة الحوثي 35 مقعداً، الشباب غير المنتمين لأحزاب 40 مقعداً، على أن يكون قوام الشباب المشاركين في المؤتمر 145 مقعداً، المرأة 40 مقعداً، منظمات المجتمع المدني 40 مقعداً، حزب الرشاد السلفي 7 مقاعد، حزب العدالة والبناء 7 مقاعد، إضافة إلى 62 مقعداً يختارهم رئيس الجمهورية لضمان تمثيل المشايخ والزعامات القبلية وشريحة المهمشين والمغتربين، بالإضافة إلى ضرورة أن يضم كل مكون في قوامه 20% من الشباب و30% نساء([15]).
في حينها كان الكثير يتسألون هل من الممكن لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني أن تلبي طموحات أبناء الشعب اليمني إذا تمكنوا فعلاً من إسقاط النظام الحاكم بكل رجالاته؟ وهل مخرجات الحوار ستحقق أهداف الثورة اليمنية التي قامت من أجلها؟ وهل هنالك بدائل إذا لم ينجح مؤتمر الحوار وتم افشاله؟ وما هي الحلول المناسبة التي يمكن القيام بها لتلافي ما يمكن فشله من المخرجات؟ وهل هنالك أدلة واقعية أو ضمانات حقيقية تؤكد نجاح مخرجات مؤتمر؟ وهل هنالك خيارات وخطط بديلة يمكن القيام بها في حال فشل كل ما سبق؟
وعندما بدأ الحوار الوطني كانت اليمن تقف أمام خطر كبير ونقطة مفصلية للتحول داخل المنطقة وبين خياريين. إما أن تكون دولة موحدة ذات سيادة كاملة تحتفظ بثوابتها الدينية والوطنية يحكمها أصحاب الحل والعقد وفق إرادة شعبية، ويحترم فيها الدستور، وينفذ فيها القانون؟ وإما أن تكون دولة مقسمة ومجزأة من عدة أقاليم وفيدراليات تحكمها الفوضى والعصابات والمليشيات الإمامية الجارودية الاثنا عشرية أو الفصائل العصبوية وأصحاب الدعوات الجاهلية والاجندات الخارجية، يقودها العملاء والمرتزقة وأصحاب المصالح الضيقة، وتعمها الفوضى، وسيتحمل وزر الخيار الثاني لا قدر الله الرئيس هادي وحكومته، ومن معه من قيادات الأحزاب المشاركة في مؤتمر الحوار على وجه الخصوص.
ومن خلال كل ما سبق فقد كان الكثير من العقلاء يقرءون الواقع التي تمر بها البلاد، ويستشرفون المستقبل من خلال ملاحظاتهم لحجم التدخل الأجنبي في الحوار، وضعف المدخلات التي تتحاور باسم اليمن، والتي لا تمتلك أبجديات العمل السياسي، أما بالنسبة لمعرفتهم بالسياسات الخارجية والعلاقات الدولية فحدث ولا حرج. بالإضافة إلى أنه لم تكن هنالك معايير واضحة بخصوص إدخال أغلبهم لمؤتمر الحوار الوطني وبعضهم غير مؤهلين ولا يمتلكون أي تأثير أو قاعدة شعبية وجماهيرية داخل اليمن، وفي المقابل تم إقصاء وتهميش قوى فاعلة كما سيأتي بيانه.
وقد كان أولئك العقلاء يحذرون من المؤامرة الخارجية الكبرى على أمن البلاد واستقرارها والحفاظ على وحدة أراضيها قبل مؤتمر الحوار وأثناء تشكيل اللجان؛ ولكن تلك القوى المتحاورة لم تستوعب جميع أبناء اليمن، ولم تلبي مطالبهم، ولم تمثل كثير من القوى الفاعلة في الميدان، بالإضافة إلى فرض الكوتا للمرأة والشباب، وحصولهم على ما يقرب من 50% من مقاعد مؤتمر الحوار، وكان أغلب هؤلاء يعملون في دول أجنبية من عقود طويلة، وبعضهم يعملون لصالح منظمات أجنبية لها أهداف خارجة عن أهداف ثورة فبراير، وينفذون أجندتها.
- نشرت صحيفة أخبار اليوم 2012 تصريحاً مهماً لأحد القيادات القبلية والعسكرية الشيخ/ عدنان القاضي -الذي قتلته الطائرات الأمريكية في صنعاء عام 2012، بداية عقد مؤتمر الحوار وهو ينبه ويحذر بقوله: إن الحوار الوطني الشامل يمثل حلاً للأزمة اليمنية بالفعل، لكن شريطة أن يكون في إطار الشريعة الإسلامية، وأن يكون خارج أي تدخل إقليمي ودولي، أما حين يكون الحوار الوطني الشامل من مقترحات الخارج الإقليمي والدولي، وبرعايته وتحت إشرافه أيضاً، فلن يهتم به ذاك الخارج إلا من زاوية مصالحه، ومصالحه لا تلتقي مع مصالح الشعب اليمني. وأضاف “إن انفصال الجنوب عن الشمال هو ما تعمل له أميركا، أو ما ترى أنه سيصب في خدمة مصالحها، وأميركا لن تتحدث عن هذا السيناريو، ولن تعمل له بشكل مباشر، لكنها ستُوصل اليمنيين إليه كحقيقة وأمر واقع، وعبر ما كان اليمنيون يعولون عليه لحل مشاكلهم” إن فشل عبد ربه منصور هادي في مهمته يعني ضرب المشروع الوحدوي في الدولة الاندماجية، على اعتبار أنه ورئيس الحكومة ووزير الدفاع جنوبيون، ويذهب إلى أن هذا هو ما تريده أمريكا في حقيقة الأمر.
- ويؤكد بقوله: وإذا قضى الأمريكان بعبد ربه منصور هادي على فكرة الوحدة الاندماجية فإن الجنوبيين مهيؤون نفسياً لدولة مدنية علمانية، وإذا كان انفصال الجنوب عن الشمال خياراً أمريكياً لحماية المصالح الأميركية فإن حماية الانفصال مسئولية أميركية، وهو ما يفسره التواجد العسكري الأميركي الكثيف في جنوب اليمن، خصوصاً قاعدة العند التي تقول بعض المصادر إنها تأوي ما لا يقل عن ثلاثة آلاف جندي من مشاة البحرية الأميركية، إلى جانب آليات عسكرية وتقنيات متطورة، وحتى لا يتحرك الشمال للجهاد في الجنوب بعد الانفصال جهزت أميركا لها قواعد عسكرية هناك، وقد بدأت بالتواجد من الآن، حتى يصبح ذلك أمراً واقعاً، وسيتقبله الناس مثلما صاروا يتقبلون الوجود الأميركي في الخليج”.
وأما بالنسبة للحوثيين فأميركا لا تريد أن تضغط عليهم أصلاً، وإنما بهم، لأنهم يعرفون أثر الضربات الجوية الأميركية، هذا إن لم تجد أميركا في إقامتهم لدولة في الشمال مبرراً لإيجاد قاعدة عسكرية أميركية في جنوب المملكة العربية السعودية. وفي نهاية تصريحه أكد أن مؤتمر الحوار الوطني لن ينجح ([16]).
وبعد أكثر من عشر سنوات على هذه التصريحات تبين للشعب صحة تلك التحذيرات حول النتائج الكارثية لمخرجات مؤتمر الحوار في كل ما يتعلق الثوابت الوطنية الدينية، وإن لم تقم أمريكا بكل ما سبق مباشرة فإنها قد نفذت الكثير والكثير عبر أدواتها في الداخل المتمثلة بأصحاب مظالم صعدة، والقضية الجنوبية، وصناع القرار الضعفاء والعملاء، وأما أدواتها الخارجية فإنها تتمثل بالتحالف الإماراتي والسعودي.
مؤتمر الحوار الوطني بين الانسحاب والاستبدال والمقاطعة:
بعد أقل من شهرين على انطلاق مؤتمر الحوار الوطني واصل الكثير من أعضائه انسحابهم لأسباب منطقية وعقلانية، وكان من أبرزهم رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي فقد أعلن انسحابه في وقت مبكر من انعقاد جلسات مؤتمر الحوار، وأرجع اليدومي أسباب انسحابه الى عدم رضاه عن التمثيل الحقيقي والمناسب لشباب الثورة في مؤتمر الحوار ليعلن تنازله عن مقعده في الحوار لأحد شباب الثورة.
وكان الشيخ حميد الأحمر عضو مجلس النواب قد أعلن عدم مشاركته في مؤتمر الحوار الوطني.. مرجعاً ذلك إلى أن قرارات تشكيل مؤتمر الحوار وإقرار نظامه الداخلي تضمن عدداً من المخالفات، التي تتعارض مع بنود ومضامين المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية، إضافة إلى عدم تمثيل أبناء محافظة صعدة، وتضمين قوائم الشباب والمرأة أسماء من خارج الساحات. وقال في بيان صدر عن المكتب الإعلامي له آنذاك، إنه تابع شخصياً أعمال اللجنة الفنية للتحضير والإعداد للحوار الوطني، وقدّم النصائح المتتالية للرئيس هادي لتلافي أوجه القصور التي كانت تظهر دون استجابة.
بينما أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام عن استبدال عضو الحوار محمد عبدالله الجائفي بعادل الشجاع، وجاء هذا الاستبدال على خلفية حملة الانتقادات التي ظهر بها وزير التربية والتعليم الأسبق، وأحد مؤسسي المؤتمر الشعبي العام محمد عبدالله الجائفي، حيث قال – في تصريحات صحفية: إن كلاً من علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض يعملان على تخريب الوحدة، وإنهما اليوم يقدمان الوحدة قرباناً؛ وبرر الجائفي استقالته – في تصريحات صحفية – بسبب إقدام صالح بالتفريط في وحدة البلاد. وبحسب الجايفي، الذي كان عضواً بفريق صعدة، فإن هذه «الرؤية الشخصية» لعلي صالح تنص على: «فسخ الوحدة واستبدالها بدولة اتحادية فيدرالية وتقسيم اليمن الواحد إلى عدّة أقاليم مستقلة، مما سيفتح الباب واسعاَ لتخريب وحدة الوطن أرضاً وإنساناَ ونظاماَ».
من جانب آخر استبعد حزب التجمع الوحدوي اليمني ممثله في مؤتمر الحوار الوطني عبد الهادي العزعزي، واستبدله بشخص آخر. وقال العزعزي: أنه تم استبداله من عضوية مؤتمر الحوار بالدكتورة أمل منصور، يُذكر أن سبب استبعاده كان بسبب مواقفه وآراؤه المناوئة لأعمال العنف التي يمارسها الحوثي في اليمن.
وكان الشيخ البرلماني محمد ناجي الشايف قد أعلن في وقت سابق في رسالة وجهها للرئيس هادي انسحابه رسمياً من مؤتمر الحوار الوطني، مرجعاً ذلك إلى أسباب خاصةٍ وعامة.
وكان الشيخ أحمد بن فريد الصريمة – نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني – قد أعلن انسحابه النهائي والكامل من الحوار، وبرر ذلك بعدم التعاطي الحقيقي مع القضية الجنوبية. ([17]).
وقد أكد الشيخ عثمان مجلي عضو مجلس النواب ووزير مجلسي النواب والشورى سابقاً لقناة اليمن اليوم بتاريخ 9/3/2022م أنه أعتذر عن المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بسبب قبول الحوثي في مؤتمر الحوار مع أنه قد ارتكب جرائم أشد مما ارتكبته داعش والقاعدة وغيرهم وقال: أكبر خطأ تاريخي ارتكبه الرئيس عبدربه منصور هادي والأحزاب هو قبولهم بالمشاركة السياسية مع الحوثي وإدخاله في مؤتمر الحوار.. وتساءل بقوله: كيف يتم القبول بالحوار مع الحوثي وهو يقتل المواطنين ويهجَّرهم من بيوتهم من جهة، ويشارك في الحوار والسياسة من جهة أخرى؟!([18]).
ووجه الشيخ كمال بامخرمة رئيس جمعية الإحسان عضو مؤتمر الحوار في رسالة بعنوان: “نداء عاجل لكل يمني مسلم” قال: “لقد اتخذ غالبية أعضاء فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني (حزب المؤتمر الشعبي وحلفاؤه والحوثيون والحراكيون والاشتراكي والناصري من اللقاء المشترك وبقية التيار الليبرالي والنسوي ما عدا الإصلاح والرشاد وجمعية الإحسان وأحمد عقبات من الحوثيين)هذا اليوم أسوء قرار تاريخي ستحاسبهم عليه الأجيال, بالإضافة إلى الحساب العسير بين يدي الله، حيث انحازوا إلى تنحية أن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريعات جميعاً، وجعلها المصدر الرئيس وبالتالي إشراك مصادر فرعية أخرى إلى جانبها لتكون أيضاً مصادر للتشريع، وهذا ما تدل عليه لفظة رئيس بإمكان وجود مصادر فرعية أخرى([19]).
وفي وقت سابق حذرت هيئة علماء اليمن في عدة بيانات قبل انعقاد مؤتمر الحوار وأثنائه وبعده، مؤكدين على انحراف مساراته وأهدافه، والتي لم تكن تحت أي سقف ولم تكن تخضع لأي مرجعية وطنية أو دينية، وأكدوا أن مخرجاته مرفوضة لإن ما بنيء على باطل فهو باطل، وللأسف لم تحصل أي استجابة حتى من قيادات الأحزاب السياسية المعارضة.
وقد صرح فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس هيئة علماء اليمن في بيان باسم هيئة علماء اليمن التي يرأسها، رفضه مخرجات مؤتمر الحوار، ودعا الزنداني الشعب اليمني إلى رفض مخرجات مؤتمر الحوار والتبرؤ منها والتمسك بدستور البلاد الحالي. ووصف الزنداني مخرجات مؤتمر الحوار بـ”الانقلاب المقنع والناعم على ديننا ومقومات وجودنا وثوابتنا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا”([20]). وقد عُرض على الشيخ الزنداني في وقت مبكر الدخول في مؤتمر الحوار، واشترط عليهم أن يكون الحوار تحت سقف الشريعة الإسلامية والوحدة الوطنية، ولم يتم قبول ذلك فأكد عليهم بقوله: “والله لو أعطوني كل مقاعد مؤتمر الحوار الوطني مقابل أن أشارك في حوار لا يجعل الشريعة الإسلامية والوحدة الوطنية سقفاً له ما قبلت.
وقد أكد الشيخ عبد الوهاب الحميقاني ممثل عن حزب الرشاد آنذاك بأن حزبي الرشاد والإصلاح تفاجآ بحلفائهم الاشتراكي والناصري، بعد أن تفاجئوا بممثلي الحلفاء يلتحقون بكل أعضائهم وأصواتهم مع الحوثيين والحراكيين والمؤتمرين، والتيار الليبرالي والنسوي، ضد أن يكون الإسلام دين الدولة، ويطالبون بدولة لا دينية، وكذلك تصويتهم ضد أن تكون الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات، وإنما تكون المصدر الرئيسي للتشريع.. والذين صوتوا مع الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات التجمع اليمني للإصلاح وحزب الرشاد وممثل جمعية الإحسان كمال بامخرمة والقاضي/ أحمد عقبات من الحوثيين والذي يرون على أن يكون الإسلام دين الدولة والشريعة مصدر جميع التشريعات ([21]).
بالإضافة إلى كثير من التحذيرات لأعضاء في البرلمان كالشيخ عارف بن أحمد الصبري الذي أصدر كتاباً أثار ضجة كبيرة داخل اليمن “سماه: مؤتمر الحوار عمار أم دمار”؟ والشيخ عبد الله أحمد علي العديني، والشيخ محمد الحزمي، والشيخ هزاع المسوري، والشيخ عبدالله حسين خيران، وأحمد سيف حاشد وغيرهم من أعضاء البرلمان وعدد كبير من القيادات القبلية والعسكرية وأصحاب الرأي والفكر، بل إن بعضهم من القيادات الحزبية والقبلية شاركوا في بداية مؤتمر الحوار ثم انسحبوا مباشرة كحزب البعث، والناشطة توكل كرمان. وأغلبهم حذروا من الأجندة الموضوعة في مسارات مؤتمر الحوار الوطني وما يسعى إليه مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر، وأكدوا أن من تم اختيارهم في مؤتمر الحوار لا يمثلون الشعب بكاملة وإنما عبارة عن محاصصة للبعض دون الأخر غير مدركين أنهم يقومون برسم مرجعيات جديدة لليمن ليست من اختيار الشعب ولم يفوضهم في ذلك.
أبرز ما قام به مؤتمر الحوار الوطني:
استبعاد وتهميش القوى الفاعلة من العلماء ومشايخ القبائل وقيادات الجيش والأمن ورجال الأعمال داخل البلد واستبدالها بقوى هامشية تتبع منظمات أجنبية تقوم بتنفيذ أجندتها. فمثلاً:
المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه والتجمع اليمني للإصلاح أكبر حزبين فاعلين داخل البلد تم تهميشهما لصالح قوى هامشية، فالمؤتمر حصل على 113مقعداً، والإصلاح 50 مقعداً يعني 163معقداً من بين 567مقعداً، وهذه النسب التمثيلية للحزبين أقل بقليل مقارنة بالقاعدة الشعبية التي يمثلونها، ولكن بسبب المناكفات السياسية بين الحزبين، إضافة إلى أن جمال بن عمر والرئيس هادي تمكنوا من اقناعهم بقبول هذه النسب للتمثيل؛ رغم التحذيرات التي أوردناها سابقاً، وقد صدرت عدة تحذيرات من كثير من الناصحين والمفكرين وأصحاب الرأي في الداخل والخارج، كما تم استبعاد القوى الفاعلة المؤثرة والمختلفة كالرئيس السابق علي عبدالله صالح وقائد الحرس الجمهوري العميد أحمد علي عبدالله صالح، وقائد الجيش المناصر للثورة اللواء علي محسن صالح، والشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس هيئة علماء اليمن، وبعض حماة الثورة كالشيخ البرلماني منصور الحنق قائد مقاومة أرحب، والشيخ البرلماني ربيش وهبان العليي مقاومة الحيمة، والشيخ حمود سعيد المخلافي قائد مقاومة تعز، والشيخ الحسن أبكر قائد مقاومة الجوف، والشيخ البرلماني أمين العكيمي والشيخ أحمد صالح الدبا مقاومة خولان وغيرهم كثير
- الاصرار على جعل القضية الجنوبية وقضية صعدة أهم القضايا وأنها أساس المشكلة في اليمن مع أنها لا علاقة لها بالثورة بالإضافة إلى الاعتذار عن القضية الجنوبية وقضية صعدة، وقد تم وضع عدة حلول لذلك في حينه، ولكنهم وضعوها بهدف ايصال الشعب إلى هذا الوضع الذي خطط له مسبقاً، فتم الانتهاء من الحوار وقد تحولت قضية صعدة إلى عدة قضايا صعدة-عمران-حجة-الجوف-الرضمة وغيرها بعد توسع الحوثي أثناء مؤتمر الحوار، وتحولت القضية الجنوبية إلى عدة قضايا، ومنها: المطالبة بتقرير المصير- الحراك المسلح- الحراك في الداخل- الحراك في الخارج- وانقسموا إلى عدة فصائل. كما أنه تم اختزال اليمن بمؤتمر الحوار، وتم اختزال مؤتمر الحوار باللجنة التحضيرية، وتم اختزال الجميع بالقضية الجنوبية وقضية صعدة، فهل تمكن أصحاب القضية الجنوبية من الحصول على مطالبهم؟ أو الوصول إلى صعدة؟ كذا أصحاب قضية صعدة؛ هل تمكنوا من الحصول إلى مطالبهم؟ أو الوصول إلى الجنوب؟ والإجابة واضحة أنهم كانوا عبارة عن دمى لتدمير اليمن وإشعال نار الفتنة في شمالها وجنوبها تحت مبرر المظلومية الكاذبة لشيعة الشمال وشيوعية الجنوب الذين ينفذون أجندات أمريكية وغربية لتقسيم المقسم وتجزئة المجزء داخل الشرق الأوسط لضمان حماية أمن إسرائيل وحلفائها في المنطقة.
- اقصاء مرجعية الشريعة الإسلامية والمطالبة بالتحاكم إلى القوانين والمواثيق الدولية في قضايا اليمن الداخلية مع أنها لم تكن من أهداف ثورة فبراير. وعندما طالبهم علماء ومشايخ اليمن أن يكون الحوار تحت سقف الشريعة الإسلامية والوحدة الوطنية والدستور النافذ والقوانين النافذة لم تتم الاستجابة، وتم التصريح من قبلهم وعلى رأسهم الرئيس عبد ربه، وغيره من القيادات أن مؤتمر الحوار لا يوجد فيه خطوط حمراء، ولا سقف لمؤتمر الحوار، ولا يوجد أي ثوابت فكرية أو أيدلوجية وأن سقف الحوار السماء ([22]).
- التفريط بالوحدة الوطنية وطرح موضوع الأقاليم والفيدراليات، وتحريض كل إقليم ضد الآخر فيما يتعلق بتقاسم السلطة والثروة، وكان الأولى بهم أن يتجهوا إلى تقوية المركز حتى يعود الأمن والاستقرار إلى اليمن بعد ثورته، وموضوع الفيدراليات والأقاليم لا يمكن مناقشاتها إلا عندما تكون الدولة مستقرة، حتى يتم التمثيل بشكل حقيقي لكافة أبناء الشعب اليمني في السلطة والثروة، لكنهم أرادوا بذلك تأجيج الصراعات بين أبناء كل منطقة أو إقليم.
- تجميد الدستور اليمني النافذ الذي تم الاستفتاء عليه من قبل الشعب، وقد تم حسم المعركة حول القضايا الرئيسية عام 1994م، وتم موافقه جميع القوى على ذلك، كما جاء في تصريح كثير من قيادات الأحزاب السياسية، وكذلك تعطيل جميع المؤسسات الدستورية.
- تم تقديم إعداد مسودة لدستور جديد بدأ الإعداد له بدعم ومساندة من الامارات العربية المتحدة([23])، من قبل أشخاص لا علاقة لهم بصياغة الدساتير.
- تغيير مسار ثورة 2011م التي دعت إلى إسقاط النظام، والرافضة للتمديد والتوريث، والقضاء على الفساد إلى ثورة ضد الثوابت الوطنية والدينية.
- فتح المجال أمام المستعمر الخارجي بوضع النصوص التي تسمح له بالتدخل، وذلك من خلال التهديد بالعقوبات الدولية للمعرقلين، والقرارات الدولية التي وضعت اليمن تحت البند السابع2216، وإعطائهم الصلاحيات باختيار الأفراد المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني واستبعادهم. وتم خلال تلك الفترة تكثيف الضربات بالطائرات بدون طيار حتى مشارف صنعاء، وكذلك منع دخول بعض الشخصيات اليمنية من المشاركة في مؤتمر الحوار، وتصنيف بعض المشاركين في مؤتمر الحوار في خانة الإرهاب، بينما تم التغاضي عن تلك القوى التي كانت تحاور بيد وتستخدم السلاح لقتل المدنيين والعسكريين بيدٍ أخرى.
- تمكين القيادات العسكرية الموالية للحوثي من لجان الجيش والأمن والهيكلة كمهندس الانقلاب الحوثي على الشرعية 2014 اللواء يحيى الشامي وولده زكريا الشامي.
ولا يزال هنالك الكثير ممن يروجون لمخرجات مؤتمر الحوار بأصناف مختلفة:
- أشخاص كانوا أصفاراً في المجتمع، ولا يمتلكون أي قاعدة شعبية أو تأثير حزبي، فرفعهم مؤتمر الحوار إلى مكانة ما كانوا يحلمون بها، وأغدق عليهم بالأموال دون حساب فأصبح من الضرورة أن يروج إلى مثل هذه المخرجات؛ لإن مكانتهم ستزول بزوالها.
- أشخاص يعملون في منظمات أجنبية، ويقتاتون منها طوال فترة النضال السلمي، ولديهم التزامات أمام الغرب بترويج أفكارهم وأنظمتهم وتشريعاتهم، والمطالبة بموائمة ذلك مع التشريعات الداخلية لليمن، فكان مؤتمر الحوار هو الفرصة الذهبية للانقلاب على تشريعات البلاد بالكامل، وهؤلاء مجموعة من الناشطين والناشطات والحراكيين.
- مجموعة من المحسوبين على المتدينين أو الدعاة رضخوا للحوار، وحصلوا على بعض المكاسب المادية والمعنوية بعد أن أقنعهم الرئيس عبدربه ومبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر أن هذا هو الحل الوحيد وأخف الضررين لإزاحة علي عبد الله صالح ومن معه، ومن ثم سيتم الانقلاب على جميع المخرجات التي تخالف الدستور اليمني عبر الاستفتاء الشعبي، وحذروهم من خطورة العرقلة للحوار بالعقوبات الدولية.
- بعض المقلدين والعوام من الشعب، وهؤلاء لا يعلمون بحقيقة مؤتمر الحوار ولا بخطورته ولا بأجندته، ولم تصلهم رسالة الرفض والتحذير واضحة وبينة؛ بسبب هيمنة الأطراف السابقة على وسائل الإعلام، ولو وصلتهم أهداف المؤتمر بصورةٍ واضحة لما وقفوا مع الحوار ولا مع عبدربه في حينه، وهؤلاء هم الأغلب. وقد تبين لهم خطورة ما تم سابقاً خلال سنوات الحرب الحالية من بعد إكمال مؤتمر الحوار مباشرة.
تبرير المشاركة في مؤتمر الحوار بأعداد بسيطة:
كان الكثير من أنصار الإصلاح ومناصريه من الإسلاميين يتسألون: لماذا تقبل الحركة الإسلامية الدخول في مؤتمر الحوار مع أن نتائجه كانت معروفة سلفاً، بالإضافة إلى قبولهم دخول مؤتمر الحوار بأعداد بسيطة لا تساوي حجم الحركة شعبياً، لكونهم قادرين على الحشد الجماهيري في الساحات، ولديهم أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى بالإضافة إلى كثير من التضحيات، ولكن بعض قيادات الإصلاح كانوا يقدمون للأفراد عدد من التبريرات منها:
أنهم مستهدفون من قِبل الجميع في الداخل والخارج، ومعرضون للعقوبات الدولية ضد الجهات المعرقلة، وأنهم لا يريدون أن يظهروا أمام مجلس الأمن، والدول الراعية الطرف المعرقل، وأن لديهم القدرة على الانقلاب على تلك المخرجات بعد استتباب الأوضاع في البلاد، وأنهم الأغلب على الساحة اليمنية، ولديهم القدرة على اسقاط كل المخرجات التي تخالف الثوابت الوطنية والدينية، وأن لديهم القدرة الكاملة على تحريك الشارع اليمني لرفضها، أو اسقاطها عن طريق الاستفتاء الشعبي، وأنها عبارة عن لعبة ديمقراطية أرادها الغرب لسحبهم إلى مربع العنف ولديهم القدرة على تجاوزها بسلام.
وفي الحقيقة أن كل هذه المبررات كانت عبارة عن أوهام وفخ نصب لهم، فوقعوا في شباكه أثناء مؤتمر الحوار وبعده، وأثبتت الأحداث الأخيرة عكس ذلك، فقد سقطت عدة محافظات وسقطت الدولة ولم يكن لهم ذلك الدور الذي كان الشعب يتوقعه منهم، وما حصل ويحصل اليوم من قتل وتشريد وتهجير وحرب أكلت الأخضر واليابس إلا شاهدٌ على فشل ذلك المؤتمر، وعلى بطلان تلك التبريرات للقيادات التي شاركت فيه أو قبلت مخرجاته لأنها فتحت الباب على مصارعيه أمام الفوضى الخلاقة داخلياً والتدخل الإقليمي والدولي خارجياً.
إثارة النعرات الطائفية والمناطقية والانفصالية:
إثناء مؤتمر الحوار تفاجئنا أثناء المتابعة لإحدى المحطات التلفزيونية أن بعض الضيوف من أعضاء مؤتمر الحوار المحسوبون على الوحدة يقولون نحن حضارمة لا من الجنوب ولا من الشمال ولسنا من أهل اليمن. وفي الطرف الأخر هناك من يقولون نحن جنوبيون ليس لنا علاقة بالقضية اليمنية، وهكذا تغيرت أهداف الثورة من إسقاط النظام إلى أسقاط وتمزيق الوحدة الوطنية للبلاد والاعتداء على الثوابت الدينية والوطنية.
ومع كل ما سبق فإن البعض لا يزال يطالب بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني حتى اللحظة وكذلك الرئيس هادي وحكومته ويستندون على ذلك في قراراتهم وتعيناتهم مع أن الشعب لم يستفتى عليها، وهي في الحقيقية حتى اللحظة عبارة عن مرجعيات زائفة وليست حقيقية، وكان يكفيهم الاستناد إلى الدستور والقوانين النافذة، فإن فيهما الكثير من الحلول لجميع القضايا الموجودة على الساحة.
انقسامات داخل مؤسسات الدولة:
تميزت الحركة الإسلامية في اليمن عن غيرها من الحركات الموجودة في العالم العربي، أن أبناء الحركة الإسلامية في اليمن كانوا يتمكنون من دخول الجيش والأمن والكليات العسكرية المختلفة ويمارسون أنشطتهم المختلفة في التوجيه والإرشاد والقيادة والوظائف حتى أن بعض القيادات الإسلامية وصلت إلى قيادة الألوية والمعسكرات والمحاور والمناطق العسكرية، وهكذا في الداخلية والأمن، فاليمن ليست كغيرها لا يوجد فيها أمن دولة كالذي يوجد في بعض دول الجوار، ولا توجد قوانين نافذة تحظر عمل الحركات الإسلامية أو الانتساب إليها. كما في بعض الدول العربية.. وما انضمام قيادات الجيش والأمن في 2011 إلا دليل على ذلك الولاء للحركات الإسلامية وحتى اللحظة.
ولعل هذا الموضوع حفز الرئيس السابق علي عبد الله صالح خلال السنوات الماضية أن يقوم بإنشاء مؤسسات عسكرية جديدة تدين له بالولاء الكامل كالحرس الجمهوري مقابل القوات المسلحة، والأمن القومي مقابل الأمن السياسي، والأمن المركزي مقابل الأمن العام. بالإضافة إلى قوات مكافحة الإرهاب والشغب.
ولذلك فإنه عند ما بدء مؤتمر الحوار الوطني كانت مؤسسات الجيش والأمن منقسمه على نفسها، ومع ذلك تم تسليمها للرئيس المنتخب عبده ربه منصور هادي، بواسطة أو بغير واسطة ولم يتبقى منها إلا القليل ولكنه سرعان ما قام بهيكلتها وتمزيقها وتسليمها إلى قيادات ضعيفة أو موالية للحوثي، وهيكلة الجيش المناصر للثورة خارج العاصمة، وادخاله بمعارك استنزاف في أبين وغيرها، فكانت الكارثة عام 2014 عندما سقطت كلها بيد جماعة الحوثي، ولم يكن هذا الدرس كافياً، ولا تزال حتى اللحظة تمُارس الأعمال الحزبية والمناطقية والجهوية في المؤسسات الأمنية والعسكرية، ويظهر ذلك من خلال التعينات الحاصلة في هذه المؤسسات حيث يتم استبعاد الكفاءات وخريجي الكليات العسكرية، وأصحاب الخبرة من كثير من المعسكرات واستبدالهم بأشخاص أصحاب ولاءات ضيقة لدول إقليمية أو مناطقية أو بأشخاص ليس لهم علاقة بالعمل العسكري؛ مما أثر بصورة واضحة على سير العمليات العسكرية في الميدان، وإفشال الكثير من الخطط، ومقتل الكثير من الشباب. مع أن الأصل في المؤسسة العسكرية أنها تعتمد على النظام والقانون والتأهيل والكفاءة، ولا يزال البعض يريد المؤسسة الأمنية والعسكرية عبارة عن مؤسسات فوضى قبلية عصيبة – حزبية – لا تلتزم بالنظام والقانون.
الرئيس عبد ربه ينقلب على حكومة الوفاق في صنعاء:
بعد توقيع المبادرة الخليجية بصورتها النهائية في 23 نوفمبر 2011 التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي وانسحبت منها قطر، والتي تنص على انتقال السلطة من الرئيس إلى نائبه بصورة سلمية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإدارة البلاد عبر مرحلة انتقالية تقدر بعامين يتم خلالها الحوار من أجل حل المشاكل الرئيسية في اليمن.
وفي 24 نوفمبر 2012 أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عبدربه منصور رئيساً لليمن، بينما يرى البعض أن الانتخابات لم تكن تنافسية ومخالفة لما ورد في المادة 108 من الدستور اليمني الفقرة (هــ) والتي تنص على أن( يتم انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب في انتخابات تنافسية)، وفي اليوم الثاني أدى الرئيس عبده ربه اليمين الدستورية أمام البرلمان، وأقسم على الحفاظ على وحدة البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها، وتم استلام السلطة في 27 فبراير 2012 بشكل رسمي في حفل أقيم في دار الرئاسة بمباركةٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودولية، وحضر تلك المراسيم عدد كبير من السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي، ومندوب مجلس التعاون الخليجي، وبدأ الرئيس هادي يمارس صلاحياته الكاملة وفقاً لما نصت عليه المبادرة الخليجية ولليمين الدستورية التي أقسم عليها أمام البرلمان ليقوم بقيادة البلاد لفترة انتقالية لتنفيذ ما ورد في المبادرة الخليجية؛ وتهيئة البلاد لانتخابات رئاسية ونيابية خلال عامين من انتخابه؛ فقام الرئيس عبده ربه بتشكيل لجان للحوار الوطني، ومن ضمنها لجان إعادة هيكلة الجيش والأمن، وبدأت البلاد تسير نحو الاستقرار وخاصة بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، والتف الجميع حول الرئيس هادي وتأييد قراراته، ولكن سرعان ما بدأ الرئيس هادي بنقض كل ما تم الاتفاق عليه، وتعطيل كل المؤسسات الدستورية النيابية والشورى وتجميد العمل بالدستور الحالي والقوانين النافذة، والاستناد إلى مرجعيات وهمية.
ولوحظ في تلك الفترة أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قد حظي بما لم يحظى به أي أحد غيره من الرؤساء في اليمن أو في دول الربيع العربي؛ فإن مبادرة مجلس التعاون الخليجي جعلت الرئيس السابق وجميع القوى السياسية توافق عليه، وقام الشعب باختياره عبر صناديق الانتخابات، بالإضافة إلى أن الدول العشر كانت تؤيده وحضرت حفل تنصيبه وتسليم السلطة ولكن لم يكن عند مستوى المسؤولية، وأصبحت المراهنة عليه خاسرة، حينها حذر أحد القيادات اليمنية البارزة من التآمر الخارجي بعد نجاح ثورات 2011 بسقوط النظام التونسي والمصري والليبي واليمني قال أن الغرب لا يمكن أن الثورات تنجح وتسقط تلك الانظمة التي صنعتها القوى المستعمرة بأيديها وأشرفت عليها، وأنهم سيسعون بكل ما أوتوا من قوة لا سقاط الثورات وافشلها وأما عندنا في اليمن فقد رست المناقصة على حركة الحوثي.
وكانت بعض القوى التي لا تريد لليمن الأمن والاستقرار توهم الرئيس هادي أنه ضعيف، وأن هنالك مراكز قوى كبيرة تحيط به داخل صنعاء وخارجها، كالرئيس السابق صالح ونجله الذي كان بأيديهم جزء من قيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن، واللواء علي محسن صالح الذي كان يدين له بالولاء جزء من قيادة القوات المسلحة، وحزب الإصلاح الذي كان يمتلك تنظيم قوي وحضور شعبي كبير، وشباب الثورة في الساحات، والقبائل الذين يخضعون لتأثير آل الأحمر وغيرهم. وأنه يجب على الرئيس هادي التخلص من تلك القوى، وتفكيكها بطريقة تجعل جميع الأطراف تقف موقف الحياد حيال كل ما يدور ضد أي طرف من الأطراف، ومحاولة تسيسه، وجعل المؤسستين الأمنية والعسكرية تقفان موقف الحياد حيال ما دار في حينه، والقيام بتهديدهم والضغط عليهم بالعقوبات الأممية، وهذا ما كان يكرره الرئيس هادي في خطاباته. فتم تقديم جماعة الحوثي على أنها الجهة الوحيدة والمناسبة التي ستقوم بمهمة ضرب مراكز القوى السابقة والسيطرة عليها حمايةً للرئيس هادي وهذا ما أكده مندوب الأمين العام جمال بن عمر. فبدأ الحوثي بإسقاط محافظة صعدة والسيطرة عليها في 18 مارس 2011 ([24])،
وتهجير السلفين في دماج بناءً على اتفاق اللجنة الرئاسية في 11 يناير 2014 بعد أن تم ضربهم وقتل المئات منهم من قبل الحوثيين حتى تحولت المحافظة خالصةً للحوثي دون غيره، والانتقال إلى عمران المحسوبة محافظة على الإصلاح وآل الأحمر والجيش المناصر للثورة، وانتقل إلى حاشد ليقوم بضرب معقل آل الأحمر والقيام بمظاهرات ضد محافظ عمران محمد حسن دماج ليتم إقالته في 9 يونيو 2014، وبعد شهر من إقالة المحافظ تم الاستيلاء على محافظة عمران التي تعتبر البوابة الرئيسة للعاصمة صنعاء والانقضاض على أكبر ألوية القوات المسلحة في عمران، وقتل العميد القشيبي ومن معه أمام مرأى ومسمع من الرئيس هادي ووزير دفاعه محمد ناصر أحمد، بل أن الدولة أصبحت تقف موقف الحياد والتفرج، وأوحت للشعب اليمني أن العميد القشيبي يمثل الإصلاح وعيال الأحمر وعلي محسن ولا يمثل اليمن، وكأنه متمرد على الدولة وكانت لجان الوساطة المرسلة من الدولة عبارة عن مخبرين يعملون مع الحوثي، و ينفذون له كل ما يريد ويزودونهم بالأسلحة والمال والمعلومات، بل أن بوابة صنعاء سقطت والرئيس هادي كان في زيارة الملك عبدالله في السعودية ووزير الدفاع محمد ناصر أحمد في الإمارات، والأسواء من ذلك أن الرئيس هادي خرج إلى عمران في 23 يوليو 2014 بعد هذه الحادثة بعدة أيام يرافقه مجموعة من وزراء المؤتمر والإصلاح ويلقي خطاباً بأن محافظة عمران عادت إلى حضن الدولة وأنه سيبدأ بأعمال التنمية فيها.
جعلت هذه الحادثة المأساوية الكارثية الكثير من أبناء الشعب يتسألون: لماذا لم تقم الدولة بإرسال الجيش إلى عمران لحمايتها من الحوثي قبل سقوطها كونها بوابة العاصمة صنعاء؟ أين كان الرئيس هادي ووزير دفاعه عندما سقطت عمران؟ لماذا صمتت الدولة ممثلة بمؤسسة الرئاسة والدفاع والأمن عن سقوط عمران ولم تصدر بياناً توضيحياً لما حدث؟ لماذا لم تقم الدولة بمحاسبة القادة العسكريين والأمنيين الذين كان لهم يد في تزويد الحوثي بالأسلحة والمعلومات أو تخلوا عن شرفهم العسكري وتركوا عتادهم ومعسكراتهم ومواقعهم؟ من الذي أمّن الحماية لرئيس الدولة حتى يخرج إلى عمران وهي تحت سيطرة الحوثيين؟ لماذا لم يخرج الرئيس إلى عمران إلا بعد عدة أيام بعد أن تمكن الحوثي من أخذ وسحب كل العتاد العسكري إلى صعدة وكان بإمكانه أن يحرك الطيران لضربهم ومنعهم من إخراج سلاح الدولة؟
لماذا صمتت الأحزاب عن سقوط عمران؟ فالبعض منهم كان يلمح أو يصرح أن العميد القشيبي متمرد على قرارات الدولة؟ ولماذا استمر المتحاورون في فندق موفمبيك يتحاورون مع الحوثي وهو مستمر في التهام المحافظات تلو المحافظات، ويسيطر على جميع المؤسسات الحكومية والمدنية وهم صامتون مستمرون بالحوار ولم يعبروا عن انسحابهم وانزعاجهم من أعمال الحوثي الحربية التوسعية من جهة، واستمراره في الحوار من جهة أخرى؟
كل هذه التساؤلات تؤكد أن بوابة صنعاء قد سقطت بخيانة كبيرة اشترك فيها رئيس الدولة هادي بصورة رئيسية، والرئيس السابق علي صالح كمنتقمٍ ومؤيد، وآخرين بين منسحبٍ وصامتٍ ومبررٍ، مما دفع بكثير من قيادة الجيش والأمن بالتسابق في تقديم الولاء للحوثيين.
وما سبق ذلك من عزل لمجموعة من القيادات العسكرية والأمنية في صنعاء، وما تلاه من إقرارٍ للجرعة السعرية في المواد الغذائية والمشتقات النفطية في مرحلة حرجة تعطي المبرر للحوثيين بالاستمرار في زحفهم نحو العاصمة صنعاء، وتغيير جذري لحكومة الوفاق، وانقلاب على الاتفاق، وتسهيل كل المهام والسبل التي بررت للحوثي دخول العاصمة صنعاء بعدها بعدة أسابيع، مروراً بهمدان ووادي ظهر،…، وترك الفرقة الأولى مدرع تتلقى مجازر مروعة لأفرادها بالمئات يقتلون ويسحلون في همدان ووادي ظهر وشملان وحي النهضة وحي الوحدة في صنعاء وكذلك اللواء الرابع في التلفزيون، بالإضافة إلى كثير من شباب الإصلاح وغيرهم حول أسوار جامعة الإيمان وداخلها ولم تحرك الدولة ساكناً ، وهناك بعض معسكرات الدولة بدأت تضرب تلك الأماكن المدنية والعسكرية مبررةً للشعب أن المعارك ستقف قريباً، وأن الجميع في الرئاسة سيوقعون على اتفاقية السلم والشراكة 2014 بحضور مندوب الأمم المتحدة جمال بن عمر حتى تستتب الأوضاع في البلاد، وما هي إلا ساعات حتى سقطت بقية مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014.
سقوط صنعاء 2014:
قبل سقوط صنعاء بثلاثة أيام بتاريخ 18سبتمبر 2014 صرح القيادي في حزب الحق حسن زيد بقوله: أعتقد أن ما يجري موافق عليه دولياً وإقليمياً لتجفيف منابع التطرف بأيدي أنصار الله(الحوثيين) ولن يتوقف حتى يتم التخلص من جامعة الإيمان لتحرير الإصلاح من أثقاله، والقضاء على فقاسة الإرهاب والتوتر، وسيتم استيعاب الأنصار في السلطة لتمر المرحلة الانتقالية بسلام الموقف الدولي والإقليمي متطابق في تجفيف منابع الدواعش-والقاعدة، يلتقي في ذلك الخليج وإيران والغرب والشرق وهذا ما فهمته من السفيرة ومن القائم بالأعمال الإيراني الذي ألح على زيارتي أمس لأنه مسافر، ويؤكد هذا الصمت الدولي والاطمئنان الدبلوماسي لما يجري باستثناء السعودية لم تسحب أي بعثة، ولم يصدر موقف دولي بل إن وجود المبعوث الأممي جمال بن عمر في صعدة في ظل ما يجري يعني الرضى، بل ويقدم غطاء للعملية العسكرية التي تستهدف منبع الدواعش والإرهاب، ويعزز هذا موقف الجيش المحايد ( باستثناء بقايا علي محسن الذين يتعرضون للذبح في شملان) وأظن أن قيادة الإصلاح البراغماتية في الصورة وموافقة أو مستسلمة لأنها عجزت عن فك الارتباط بالزنداني ودواعش الإصلاح، وقد زارني المغرب عبدالله نعمان الأمين العام للحزب الشعبي الناصري، وعبدالله المقطري ومعنا نبيل الوزير تطابقت رؤانا في تقييمنا، واتفقنا على أن نسعى لجمع المشترك ونحاول مع أنصار الله وليبرالي المؤتمر على رؤية لمهام المرحلة الانتقالية والمرحلة التأسيسية والتوافق على برنامج للحكومة، وما بعد إقرار الدستور، وسنحاول اللقاء بالمجلس الأعلى غداً للمشترك إن أمكن. انتهى كلامه:
وللعلم فقد كان حسن زيد ضمن قيادات اللقاء المشترك حتى تلك اللحظة ويعمل وزيراً في حكومة الوفاق.
والأهم من ذلك هو تأكيد المبعوث الأممي إلى اليمن انذآك جمال بن عمر ومحاولة تبريره بعدم موافقته على ما حصل بقوله: أن الحوثيين وصلوا إلى صنعاء بسبب غباء بعض السياسيين الموجودين في السلطة، وكانت حساباتهم ضيقة، ولم تكن هنالك مقاومة للحوثيين، ولا أحد يدري هل أعطى الرئيس هادي أوامر بمقاومة الحوثيين، وهل هنالك ضباط في الجيش رفضوا الأوامر؟ كثير من الاستفسارات تحتاج إلى أجوبة، وأن هنالك كثير من السياسيين كانوا يقولون للمبعوث الأممي لا بأس إذا دخل الحوثيين صنعاء، ليخلصونا من حزب الإصلاح وجامعة الإيمان والفريق علي محسن صالح، وسيعودون إلى صعدة، وأن هذا كان مستوى كبير من البلادة، ووصل الحوثيين إلى صنعاء واستولوا على الدولة، وأنه كان هنالك حسابات وكل طرف كان يريد يستغل الحوثيين لصالحه، وهذا ما أدى إلى هذا الوضع المؤلم ([25]).
وخلال تلك الفترة وبدلاً من أن تكون المعركة في أطراف صنعاء أصبحت المعركة وسط العاصمة صنعاء، حول أسوار جامعة الإيمان وأسوار الفرقة الأولى مدرع واللواء الرابع حماية في التلفزيون، وتم قطع شبكة الإنترنت والكهرباء والاتصالات على تلك المناطق، وتعرض رجال الفرقة الأولى مدرع للذبح بدءً بمعركة همدان ووادي ظهر ومروراً بشملان، وقتل خلالها قائد الدفاع الجوي العميد صادق مكرم ومعه مجموعة من الجنود المتطوعين دون أي تدخل يُذكر من الدولة، بل إن وزير الدفاع حينها كان يلتقي العصابات الحوثية في منطقة همدان، وتم بعدها دخول جامعة الايمان والفرقة الأولى مدرع والتلفزيون يوم 21 سبتمبر 2014، وتم الانسحاب من هذه المواقع بعد معارك شرسة خاضوها لمدة أسبوع تقريباً، فأين كان رئيس الدولة ووزير الدفاع وزير الداخلية؟ وأين كان الجيش والأمن؟ وأين اختفت تلك الحشود الشعبية والتنظيمية التي كانت تُقدر بعشرات الألاف الذين هبوا من عدة محافظات ومناطق لحماية العاصمة صنعاء؟ ومن الذي ترك جامعة الإيمان والفرقة الأولى يواجهان مصيرهما دون أي دعم من أي طرف؟ ولم يكتفي الحوثي بذلك بل قام بالاستيلاء على بقية مؤسسات الدولة على مرأى ومسمع دول الجوار والعالم أجمع.
وما الذي دفع بقيادة الأحزاب السياسية الذهاب إلى القصر الجمهوري لتوقيع اتفاقية السلم والشراكة، وعلى أي أساس ذهبوا، ولماذا استمروا بصرف الأوهام للشعب وهم يدركون حقيقة ما قام به الحوثي والمبعوث الأممي جمال بن عمر وتخاذل الرئيس هادي.
كل ذلك يظهر جلياً ويؤكد أن ما صرح به حسن زيد لا يمكن تجاهله أن هنالك رضاً داخلي واقليمي ودولي عما يدور، وفي الحقيقة فإن اتفاقية السلم والشراكة التي وقعت عليه القوى السياسية في 21 سبتمبر 2014 كانت عبارة عن فخ كبير وطٌعم تم تقديمة للرئيس هادي وقيادة الأحزاب السياسية حتى يوافقوا على عدم دعم الفرقة الأولى مدرع واللواء الرابع وجامعة الإيمان، بحسب التصريحات السابقة للمبعوث الأممي وغيره. وقد مثل سقوطهما الخطوة الثانية لسقوط العاصمة بعد محافظة عمران لاستكمال الانقلاب وسقوط اليمن بيد الحوثيين، وكان الأولى بقيادات الدولة والأحزاب عدم القبول بهذا الفخ المتمثل باتفاقية السلم والشراكة، بالإضافة إلى أن سقوط عمران كان كافياً لفك الشراكة والتوافق بينهم وبين الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني من جهة، وبينهم وبين الرئيس هادي من جهة أخرى، والبحث عن خيارات بديلة تضمن للوطن آمنه واستقرار.
أما بالنسبة لقرار الحركة الإسلامية بالوقوف مع الرئيس هادي والانسحاب من المواجهات في صنعاء فقد صاحبه الكثير من الغموض حتى اللحظة؛ كون أغلب قيادات الصف الأول كانوا لا يعلمون عن هذا القرار شيئاً، مما جعل الحركة تفقد الكثير من أفرادها وأنصارها ومؤسساتها بين قتيل وجريح ومختطف ومهجر، وتفجير واحتلال لمقراتها ومؤسساتها ومصادرتها وتجميد أموالها، مع أن هنالك الكثير من العقلاء في مجلسي النواب والشورى والعلماء والمشايخ والمفكرين والأكاديمين والعسكريين والمثقفين وأصحاب الرأي كانوا يحذرون الرئيس هادي وحكومته وقيادات الأحزاب من الحوثيين وأنهم يجهزون أنفسهم بالسلاح والعتاد والتخطيط للانقضاض على الدولة، وأنه يسعى عسكرياً للاستيلاء على الحكم، ولكنهم مع الأسف الشديد تجاهلوا كل تلك التقارير والأخبار والتحذيرات؛ خوفاً من إزعاج اللقاء المشترك، بالإضافة إلى ركونهم للوعود والتطمينات الأمريكية والغربية بأنهم سيصلون إلى الحكم بصورة سلمية،
وقد كان لهذه التجاهلات أثار كارثية كبيرة كونهم لم يقوموا بدراسة خياراتهم للأوضاع التي تمر بها البلاد بصورة سليمة وواضحة يعرفها الشعب، والأخطر من ذلك أنه بعد سقوط صنعاء كانت الحركة الإسلامية قد تلاشت وأصبحت بعيدة عن صُناع القرار، وغادر الكثير من قياداتها السياسية الى أماكن مجهولة وإلى محافظات أخرى. وبعدها بأيام قليلة اشتدت ضربات الحوثيين على معاقل الحركة في أرحب الذي قاد مقاومتها الشيخ منصور الحنق عضو مجلس النواب وأبناء القبيلة، وعندما استمر الحوثيين في فرض هيمنتهم بالسيطرة على باقي المحافظات ومحاولة اخضاعها لحكمهم وسيطرتهم عليها بالقوة قيض الله مجموعة من القيادات في الميدان في تعز ومأرب والجوف على وجه الخصوص ومناطق أخرى لمواجهة الحوثيين رغم التوجيهات التي كانت تأتيهم من القيادة السياسية بعدم المواجهة العسكرية، وأن الحركة لم تتخذ بعد قراراً بالمواجهة، كما حصل في تعز ممثلة بقائد المقاومة الشعبية الشيخ/ حمود المخلافي الذي قاوم الحوثيين رغم شحة الإمكانيات وانضم إليه ا لعديد من الشباب المقاتلين، وتبعه نائف الجماعي والشيخ الدعام والشيخ علي مسعد بدير وغيرهم بتشكيل المجلس العسكري في محافظة إب، ونائف البكري في عدن، ونائف القيسي في البيضاء ومحافظ شبوة أحمد علي باحاج، ومحافظ صعدة هادي طرشان، ومقاومة الجوف بقيادة الشيخ الحسن أبكر، ومأرب بقيادة الشيخ سلطان العرادة، وقيادات عسكرية أخرى وبذلك تشكلت النواة الأولى للمقاومة الشعبية والعسكرية، ومن خلال تلك القيادات المقاتلة وجدت الحاضنة الشعبية للحركة بعد أن كانت في خبر كان وأعادت للمقاومة والجيش الاعتبار والزخم، ثم بعد ذلك تشكلت المقاومة بالصورة الرسمية التي أصبحت عليها اليوم، بعد تشكيل النواة الأولى للجيش الوطني بقيادة الشدادي والمقدشي وهاشم الأحمر وغيرهم من القيادات بالرغم من كل المؤامرات التي حصلت ضد قيادة المقاومة والجيش من قِبل القريب والبعيد، وأعادت لليمن شرعيتها وحفظت جزءً كبيراً مما تبقى من شكل الدولة والنظام والشرعية.
الرئيس هادي يكرر انقلاب صنعاء في عدن:
عندما تمكن الرئيس هادي من الفرار من قبضة الحوثيين في صنعاء بتاريخ 21 فبراير 2015 ووصوله إلى عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة لليمن ([26])، وبدأ يمارس أعماله من هناك، وكانت هذه هي الفرصة الذهبية الأخرى للرئيس هادي ليعيد الاعتبار لنفسه ولشعبه الذي وقف معه حفاظاً على الشرعية وإبقاء مؤسسات الدولة قائمة.
وبعد بيان الرئيس هادي الذي يعد أول خطاب له بعد عودته لعدن بقوله: أدعوكم للالتفاف حول الدولة، ومؤسساتها والمحافظة على وحدتكم الوطنية بعيداً عن المذهبية والطائفية، كما دعا القوات المسلحة للتمسك بالشرعية الدستورية والواجب العسكري، والحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية مؤسسات الدولة والتمسك بالثوابت الوطنية المتمثلة بالجمهورية والوحدة، وأكد أنه لن يسمح مطلقاً بتجيير المؤسسة العسكرية لتلبية نزوات شخصية أو جهوية أو طائفية، بعد البيان تحرك المقاتلين من كل محافظات الجمهورية إلى محافظة عدن دفاعاً عن الوطن ضد المعسكرات الموالية للرئيس السابق ولحشود المليشيات الحوثية الانقلابية. وشارك معهم مؤخراً ما سمي بالتحالف العربي، وتم استعادة عدن بالكامل.
سابقاً عندما اقتربت آلة الموت الحوثية من مدينة عدن أواخر مارس 2015، كان مسؤولوها يفكرون بمنافذ للهروب والمغادرة باستثناء بعض المسؤولين الذين قرروا البقاء ليحرسوا خوف المدينة، وليتولى قيادة عملية تحرير عدن الأستاذ نايف البكري رئيس المجلس التنسيقي للمقاومة الشعبية الذي كان له الدور البارز في حشد المقاتلين الذين قاتلوا مليشيات جماعة الحوثي ومسلحي الرئيس السابق في عدن ومعه مجموعة من الرجال الصادقين الأوفياء الذين تمكنوا من تحرير المدينة من قبضة المليشيات” في 17 يوليو 2015.
وبعدها بثلاثة أيام تم تعيين نايف البكري محافظاً لمحافظة عدن وبدأت الإمارات تخلق مجموعة من الأزمات من ضمنها المطالبة بتغيير محافظ عدن وأنه العائق أمام إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات الاغاثية، وبعد أشهر من تعينه وبالتحديد في منتصف سبتمبر من العام 2015، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قراراً جمهورياً بإقالة نايف البكري من منصبه وتعين اللواء جعفر محمد سعد بديلاً عنه دون رضى الإمارات وتم اغتياله بعد أشهر، ليتم تعيين من ترضى عنه الإمارات في السلطة المحلية والمؤسسة الأمنية عيدروس الزبيدي وشلال شايع، ولم يكن عزل قيادات السلطة المحلية وأخرى عسكرية وأمنية إلا مقدمة لتسليم عدن ومحافظات أخرى للأيادي الانفصالية الدموية الموالية لدول تسعى لفصل جنوب اليمن عن شماله، والسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخل البلاد ونشر الفوضى؛ ولم تتحرر عدن من العصابات الفاسدة والمتنفذة في البلد والتي تعمل من تحت الرماد حتى وصلت إلى ما وصل إليه الحال اليوم.
بعدها بوقت قصير تم إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية وفقاً لأجندة ومطالب دول خارجية، وماهي إلا أيام قليلة حتى تم الانقلاب على رجال المقاومة والقيادات الشرعية التي لم تخن شرفها العسكري وولائها الوطني، وتم استبدالهم بمجموعة من القيادات الضعيفة والتي تسعى لتنفيذ أجندة خارجية؛ سعياً منها لإثارة الفوضى الداخلية والحزبية والمناطقية وتعزيز الدعوات الانفصالية كما حصل في انقلاب صنعاء سابقاً 2014، وماهي إلا أشهر قليلة حتى انقلبت الأحداث وتم منع الرئيس هادي من دخول عدن حتى هذه اللحظة من قِبل الإمارات والمليشيات الموالية لها حسب تصريح وزير الداخلية أحمد الميسري([27]).
منظمات أجنبية لنشر أفكار تغريبية:
نشطت الكثير من المنظمات الأجنبية، وعلى رأسها الأمريكية والغربية خلال العقدين الماضيين داخل العالم الاسلامي، وقد كان النصيب الأكبر من ذلك في العالم العربي، حيث وجدت الكثير من المنظمات الغربية فرص كثيرة لممارسة أنشطتها التخريبية داخل الدول، وإفساد العلاقة بين الشعوب والأنظمة، تحت مسميات مختلفة وشعارات براقة ولعل من أبرزها: نشر الإسلام المعتدل، نشر الديمقراطية، وإزالة الاستبداد والتحديث المؤسساتي والتوعية بالمشاركة الشعبية بالإضافة إلى التوعية بحقوق المرأة والطفل وتمكين الأقليات …
وقد كانت هذه العناوين البارزة في حقيقتها برامج هدم للقيم والأخلاق وتمزيق للمجتمعات وإفساد للحياة العامة والخاصة من جهة.. وتهييج للشعوب ضد الأنظمة والعكس، سعياً منهم في تنفيذ أجندتهم وتمكين عملائهم في حكم الشعوب لضرب القيم الدينية والوطنية والأخلاقية، بالإضافة إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول واسقاط الأنظمة، ودعم الفوضى الخلاقة، ودعم الأقليات والقوى الهامشية المرتبطة بالغرب، وما يحدث اليوم داخل الدول العربية والإسلامية ليس إلا جزء بسيط من تلك الخطط والبرامج التي خططت لها القوى الاستعمارية خلال العقود الماضية.
وقد كان لليمن ولبنان النصيب الأكبر من ذلك، فقد أفصح المدير الإقليمي للمعهد الديمقراطي الأمريكي في الشرق الأوسط «ليز كامبل» بإن الحكومات والحركات المتطرفة لا يمكن كسرها إلا عن طريق ظهور خيار وسطي أو ديمقراطي من شأنه تفتيت الاحتكار السياسي لحركات التطرف ([28]).
وعندما أغلقت مملكة البحرين بعض المنظمات التي من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار، وإقلاق السكينة العامة، وإفساد العلاقة بين الشعوب والأنظمة، نشرت صحيفة الوسط البحرينية ما نصه: يأتي المعهد الديمقراطي الأمريكي للشئون الدولية (NDI) كأحد أكبر المعاهد المتخصصة في التدريب والتثقيف السياسي، وقد تضاعف النقاش بشأن المعهد الأمريكي منذ قدومه للمنطقة، وخصوصاً بعد العام 2001م، وقد حصل في تلك الفترة أيضاً أحداث أخرى فقد برزت ثلاث تجارب إصلاحية في العالم العربي، تزامنت مع تولي ثلاثة من الملوك الشباب العرب مقاليد الحكم في بلدانهم برؤى جديدة تحمل رؤية تتناسب مع التوجهات الدولية المتقاطعة مع المطالب المحلية في: الإصلاح السياسي، والتحديث المؤسساتي، والمشاركة الشعبية، وبدأت هذه التجارب من المملكة الأردنية الهاشمية مع تولي الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم خلفاً لوالده الراحل الملك الحسين، ومن ثم في المغرب مع تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم خلفاً للراحل الملك حسن الثاني، والتجربة الثالثة في البحرين مع تولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة (سمو الأمير آنذاك) للحكم، وهذا التحول السياسي في العواصم الثلاث «عماّن، الرباط، المنامة» قدم جرعة حماسية للمراكز التدريبية الأمريكية والغربية؛ لفتح أنشطة موسعة في المنطقة انطلاقاً من العواصم الثلاث بالإضافة إلى عواصم أخرى مثل: صنعاء، وبيروت، التي كانت لمدة طويلة المكان الأنسب لعمل المراكز الدولية؛ نظراً للجغرافيا وانفتاح المناخ السياسي والحريات العامة([29]).
والملاحظة لصنعاء وبيروت فعلاً فقد كان لتلك المعاهد والمنظمات أثر كبير في جعلهما تعيشان في وضع ينعدم فيه الاستقرار، وانتشار الصراعات الدائمة المناطقية والعرقية والدينية والطائفية، وغيرها… ولعل من أبرز الظواهر الكارثية للمنظمات قبل الحرب وبعدها التحريض على فصل شمال اليمن عن جنوبه وإثارة النعرات والأحقاد بين أبناء الشعب الواحد، والدعوات الطائفية كالسنية والشيعة، أو المذهبية كالشافعية والزيدية، أو المنطقية كالشمال والجنوب، وغيرها من الدعوات وإثارة النعرات التي من شأنها ضرب اللحمة الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي.
يقول المهندس ناصر اللهبي: لم تترك أمريكا في حربها على الإسلام والمسلمين سبيلاً إلا وسلكته، وأنها تسعى للعب بورقة الإسلام المعتدل، وقد أظهرت سياسة جديدة لامتطاء الحركات الإسلامية (المعتدلة!!)، وذلك عن طريق إيصالها إلى الحكم، وشرطت فيمن يقبل هذا العرض الوظيفي المغري أن يقبل باللعبة الديمقراطية الأمريكية عبر الانتخابات التي تديرها سفاراتها ومعاهدها الديمقراطية، فقد أصدر (ريتشارد هاس) مدير التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية دراسة ختمها بتوصية يدعو فيها واشنطن (إلى القبول بمعضلة الديمقراطية المتمثلة في وصول حزب إسلامي (معتدل) للحكم عبر الانتخابات) ([30]).
مبررات التواجد الأمريكي والغربي في الدول العربية والإسلامية:
افتعلت القوى الاستعمارية (الأمريكية والغربية) لنفسها مبررات تمكنها من البقاء على الأراضي العربية والإسلامية؛ بعد أحداث سبتمبر 2001 لتقوم بتبرير حربها السابقة في أفغانستان والعراق ولتقوم باستكمال تنفيذ مخططاتٍ تشرف عليها منظماتها المختلفة، ورفعت فيها شعارات كاذبة ومضللة في حربها غير المباشرة، وتتلخص أهم تلك المبررات بما يلي:
- نشر الإسلام المعتدل مقابل الإسلام المتشدد (الإرهاب) وفق المنظور الأمريكي والغربي.
- نشر الديمقراطية وفق المفهوم الأمريكي والغربي، والعمل على إزالة الاستبداد السياسي (الزعيم صدام حسين، وغيره من الرؤساء والزعماء والملوك…).
- توسيع دائرة الحريات. (حرية المرأة -حرية الفكر والمعتقد).
- نشر التثقيف السياسي.
- التحديث المؤسساتي. (إعادة هيكلة الأحزاب والجماعات وفق رؤى غربية أمريكية).
- إصلاح المنظومة التشريعية والقانونية في الدول العربية والإسلامية. بما يتوائم مع العهود والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
- دعم الشعوب في امتلاك حق تقرير المصير(الانفصال).
- احترام حقوق الإنسان (المواطنة-النوع الاجتماعي الجندر-محكمة الجنايات الدولية- تمكين المرأة- المثلية).
- نشر مفاهيم العدالة الانتقالية بين الشعوب. (مظلوميات كاذبة وصراعات دائمة).
أما في اليمن فقد صرح مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي (بيتر ديمتروف) لصحيفة الرأي الحر بحسب ما نقلته صحيفة 26 سبتمبر بقوله: أن اليمن يوجد فيها هامش كبير من الحرية، وأنها أرض خصبة وخامة جيدة للتطور والحراك الديمقراطي ويقول: اليمن أرض خصبة للتنشئة الديمقراطية، ولذا جئنا إليها ولقينا الترحيب من الجميع، وأضاف أن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية يرون اليمن خامة جيدة وأرضية خصبة للتطور والحراك الديمقراطي ([31]).
ولقد كانت مثل هذه المفاهيم والرؤى السياسية كالإصلاح السياسي، والتحديث المؤسساتي، والمشاركة الشعبية، أحد الأسباب البارزة التي سهلت دخول المنظمات الأجنبية إلى الدول العربية عموماً واليمن على وجه الخصوص.
وبعدما وضعت المنظمات معاييرها للأحزاب بصورة عامة، فإنها من ناحية أخرى قد وضعت معايير للأحزاب المحسوبة على الحركات الإسلامية داخل الدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص، وجعلتها في قفص الاتهام، ووضعتها بين خيارات لاختبار نسبة اعتدالها من تشددها؛ ليتم قبولها في العمل الديمقراطي، وليتم إخراجها من دائرة الإرهاب، وطالبتها بإصدار مجموعة من البيانات والتنديدات ضد التنظيمات الجهادية -كطالبان وحماس وغيرهم بغض النظر عن فعلها الممارس أكان صواباً أم خطأ-، وبعد استجابة تلك الأحزاب للمطالب السابقة، وقيامها بالتنديد والتجريم لبعض المنظمات الجهادية والأفكار الجهادية، فقد مارست أمريكا والقوى الغربية ضغوطها على الأحزاب والتنظيمات ذات التوجه الإسلامي عبر معاهدها ومنظماتها المختلفة لاختبار نسبة اعتدالها وقبولها، وطالبتها بتنفيذ مخططها القائم على إقصاء من سمتهم القوى الغربية (المتشددين) وصنفتهم داخل تلك الأحزاب والحركات الإسلامية، وهؤلاء المتشددون هم الذين يرفضون التعاطي مع تلك المنظمات، -ولا يقبلون التدخل الأجنبي في بلدانهم، ويرفضون التغيير في أفكارهم (الأيدلوجية) وأهدافهم الفكرية، وتوعدت بأنه سيتم- استبدالهم: بمعتدلين ومصلحين، وهم الذين لا يعادون القوى الغربية والأمريكية، ولا يعارضون أفكارهم وسياستهم وأنهم سيقومون بدعمهم وتقويتهم ([32]).
وبمثل تلك الأسباب والمبررات والمعايير والأساليب الملتوية والمكذوبة أقامت أمريكا والدول الغربية حربها على دين الإسلام بذريعة محاربة الإسلام المتشدد في الدول العربية والإسلامية، ورفع الشعار المضلل (الحرب على الإرهاب) كما حصل في أفغانستان، وإزالة الاستبداد ونشر الديمقراطية كما حصل في العراق، وما يرتب له في بقية الدول.
معايير الإسلام المعتدل وفق المنظور الأمريكي والغربي:
والأهم من ذلك أنهم لم يقوموا بوضع تعريف للمتشدد أو الإرهابي؛ خوفاً من بعض الانتقادات، ولكنهم وضعوا معاييرا لذلك عبر منظماتهم ومعاهدهم المختلفة كما جاء في تقرير معهد السلام الأمريكي عام 2007م عن عمل المعهد الديمقراطي الأمريكي في اليمن والأردن، والمغرب([33])، ثم رفعوا شعارات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب، فمنها: نشر الإسلام المعتدل، ومحاربة التشدد، ووضعوا معايير للإسلام المعتدل، لخصوها بمجموعة من الأسئلة، ليتم التمييز بين المعتدلين وغير المعتدلين من أبناء الحركات والأحزاب الاسلامية وفق المنظور الغربي، كما جاء في تقرير منظمة راند، فمن قبل تلك الأسئلة وعمل بها فهو المعتدل ومن رفضها فهو المتشدد(الإرهابي)، فمنها:
- هل تؤمن بأن تبديل الأديان (الردة عن الإسلام) من الحقوق الفردية؟ (الإجابة بنعم تعني مسلماً معتدلاً، وبلا تعني مسلماً متطرفاً).
- هل تؤمن بأن على الدولة أن تفرض تطبيق الشريعة الإسلامية في الجزء الخاص بالتشريعات الجنائية؟ (الإجابة بنعم تعني مسلماً متطرفاً، وبلا تعني مسلماً معتدلاً).
- هل تؤمن بإمكانية أن يتولى أحد الأفراد من الأقليات الدينية (مسيحي، يهودي، وثني، ملحد) مناصب سياسية عليا (رئاسة الدولة) في دول ذات أغلبية مسلمة. (الإجابة بنعم تعني مسلماً معتدلاً، وبلا تعني مسلماً متطرفاً).
- هل تؤمن بوجوب وجود خيارات لا تستند للشريعة بالنسبة إلى القوانين المدنية ضمن نظام تشريع علماني؟ (الإجابة بنعم تعني مسلماً معتدلاً، وبلا تعني مسلماً متطرفاً).
- هل تؤمن بوجوب أن يحصل أعضاء الأقليات الدينية على نفس حقوق المسلمين في بناء وإدارة دور العبادة الخاصة بدينهم (كنائس أو معابد يهودية) في دول ذات أغلبية مسلمة؟ (الإجابة بنعم تعني مسلماً معتدلاً، وبلا تعني مسلماً متطرفاً) ([34]).
- ويضاف إلى ما سبق أيضاً معيار آخر هل تؤمن بالتعاطي مع المعاهد والمنظمات الأجنبية التي تعمل في بلدك وبدون قيود؟ (الإجابة بنعم تعني مسلماً معتدلاً، وبلا تعني مسلماً متطرفاً) ([35]).
توصيات مؤتمر أحزاب اليسار اليمني 2013:
من خلال كل ما سبق فقد حصلت استجابة من بعض الأحزاب اليسارية اليمنية لتلك المعايير والأفكار المطروحة من المنظمات الأمريكية والغربية، فقد عقد في شهر سبتمبر 2013م مؤتمراً لتحالف اليسار في اليمن لمناقشة ما يتعلق ببعض تلك الأهداف السابقة بدعم من (منظمة فريدريش إيبرت الألمانية) أحد المنظمات الأجنبية العاملة في اليمن، وكان من أبرز الأحزاب المشاركة: الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الناصري، والتجمع الوحدوي الناصري، وحزب البعث العربي الإشتراكي، ومنظمات المجتمع المدني، وقد كان من أبرز التوصيات التي توصل إليها مؤتمر اليسار ما يلي:
- التأكيد على أن تكون المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان هي المرجعية الأساسية للتشريعات الوطنية.
- حظر قيام الأحزاب على أساس ديني.
- إيجاد آلية لتجاوز العوائق المتمثلة بالقبيلة السياسية والإسلام السياسي والقطاع العسكري.
- صياغة مناهج التعليم على أساس مدني ([36]).
وخلاصة هذه التوصيات تؤكد على: القضاء على الإسلام السياسي المتمثل بالأحزاب والحركات الإسلامية، والاستهداف المباشر للعلماء والدعاة، والقضاء على القبيلة السياسية (القبائل)، والقضاء على القطاعات العسكرية (الجيش أو ما يسمونه بالجيش الشعبي)، وكذلك التجار ويسمونه برأس المال الطفيلي. والملاحظ على كثير من أفراد الأحزاب اليمنية بصورة عامة، وبعض أفراد الأحزاب الإسلامية وبعض قيادات منظمات المجتمع المدني بصورة خاصة، التأثير والتأثر ببعض الأفكار والروئ التي تروج لها المنظمات والمعاهد الأمريكية والغربية قبل وبعد ثورات الربيع العربي 2011، وظهرت موجة من التفلت لدى بعض الشباب، والانخراط في منظمات أجنبية، والدعوة إلى أفكار تغريبيه، بعضها إلحادية وأخرى علمانية ليبرالية، ترفض المرجعية الإسلامية، وتشكك الأمة في مصادر تشريعها وخاصة المصدر الثاني السنة النبوية وتسميتها بكتب تأريخ وتراث، كالبخاري ومسلم، وكثير من كتب التفسير والمفسرون، والطعن في كتب الفقه، وأئمة المذاهب المعتبرة، تحت دعوى إعادة غربلة كتب التراث ومراجعتها، واعتبار كتب التراث القديمة لا تتناسب مع فكر الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، حتى اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين، وأصبح البعض لا يفرقون بين الخطابات الدعوية والفكرية لبعض الإسلاميين وغيرهم من العلمانيين والليبراليين، بل أصبح أولئك المتفلتون_ المتنورون الجدد_يكيلون التهم للمتمسكين والمحافظين داخل صفوفهم بأنهم عبارة عن مجموعة متشددة غير منفتحة، علماً بأن الكثير من هذه الأفكار والأطروحات والرؤى تتصادم جملة وتفصيلاً مع أهداف تلك الحركات والأحزاب الإسلامية، وتتناقض مع ثوابتها الدينية والوطنية التي كانت تؤمن بها وتعتنقها وتدعوا الناس إليها خلال العقود الماضية، القائمة على دعوة الناس إلى التمسك بدين الله والحفاظ على كتاب الله، والتمسك بسنة رسوله ﷺ والتحلي بمكارم الأخلاق، ورفض التحاكم إلى غير شرع الله، وكانت تنشط داخل المجتمعات لنشر خطابها الدعوي وفق المنهج الوسطي المعتدل، وتطوير خطابها التثقيفي القائم على التوعية بخطورة المشاريع والمخططات الأمريكية والغربية على الشعوب والأنظمة، وتحصين المجتمع من الغزو الفكري ووسائله وطرقه، وقد نالت تلك الحركات والأحزاب القبول الكبير داخل المجتمع الإسلامي، وكل ذلك يعود إلى تميزها في خطابها الدعوي، ورفضها لجميع الأفكار والروئ التي تبنتها كثير من القوى المسيطرة كالحركات التحررية، والأنظمة الشيوعية والعلمانية الليبرالية، وكذا الرأسمالية الصهيونية، ورفضها لجميع أشكال وأنواع العنف والتطرف والخنوع؛ مما جعل الكثير من الناس يُقبلون عليها ويناصرونها، ولم تكن هذه الحركات والأحزاب منغلقة على نفسها كما يدعي البعض، بل قريبة من مجتمعها، وكانت توفر لهم البدائل في كل شيء داخل مجتمعها وحدودها، فمثلاً مشاركتها في العمل السياسي، ومشاركتها في الحكم، والوقوف إلى جانب قادة الأنظمة في السلم والحرب لمناصرتهم في الحق ومناصحتهم في غيرها ..وقد كانت مؤسسة المعاهد العلمية تتميز بمناهجها وبرامجها عن كثير من المدارس الحكومية، كما فتحت مجموعة من البنوك والشركات الإسلامية كبدائل مناسبة ومقترحة عن البنوك الربوية، وقدمت مجموعة من البرامج المناسبة والهادفة في القنوات الإسلامية كبديل عن بعض البرامج الغير هادفة في القنوات الرسمية، وقامت بتأسيس مجموعة من الجامعات الإسلامية لتدريس التخصصات الشرعية والاجتماعية كرافد للتعليم عما فات في الجامعات الحكومية، وقدمت مجموعة من الأناشيد الإسلامية الهادفة كبديل عن الأغاني الغير منضبطة، وغيرها من الأنشطة والبرامج التي كانت تعزز الهوية الدينية والوطنية في المخيمات الصيفية والرحلات الدعوية والفرق الكشفية
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)
([1]) المعاهد العلمية باليمن ومسلسل الإلغاء، موقع المسلم، 5 ذو الحجة 1424، على الرابط التالي: https://almoslim.net/node/85325.
([2]) المعاهد العلمية باليمن ومسلسل الإلغاء، مرجع سابق.
([3]) حسين الجرباني ، الرئيس اليمني يطالب الشيخ الأحمر بإغلاق باب الأخذ والرد حول قرار إلغاء المعاهد العلمية، جريدة الشرق الأوسط، 17 اكتوبر 2001 العدد 8359، على الرابط التالي: https://2u.pw/05lpRz
([4]) عبد الإله شائع، التعليم يشعل المعركة بين المؤتمر والإصلاح، الجزيرة نت، 10/5/2001، على الرابط التالي: https://2u.pw/9i0U72
([5]) محمد العمراني، عودة المعاهد العلمية، أخبار اليوم، 18 أكتوبر- 2012، على الرابط التالي: https://2u.pw/t3ddSb
([6]) تقرير معهد السلام الأمريكي بعنوان حزب الإصلاح يعرض البديل الحقيقي الوحيد للحكومة الاستبدادية، 3أكتوبر 2007م، بلا قيود نت على الرابط التالي: https://2u.pw/FvLzSA6.
([7]) موقع المركز الوطني للمعلومات، الانتخابات النيابية أبريل 1997م، على الرابط التالي: https://2u.pw/nolhTM
([8]) موقع المركز الوطني للمعلومات، نتائج الانتخابات البرلمانية 2003م، على الرابط التالي: https://2u.pw/dCgMcG
([9]) موقع اللجنة العليا للانتخابات، نتائج الانتخابات الرئاسية 2006م، على الرابط التالي: https://2u.pw/aQtI6LC
([10]) صحيفة 14 أكتوبر اليمنية، 11 يوليو-2011م العدد، 15216، على الرابط التالي: https://2u.pw/43Ls7p7، صحيفة الأهرام المصرية، العدد: 45508، 11شعبان-1432هـ-12يوليو-2011م، السنة 135,على الرابط التالي: https://2u.pw/8NvSSZ
([11]) تقرير معهد السلام الأمريكي بعنوان حزب الإصلاح يعرض البديل الحقيقي الوحيد للحكومة الاستبدادية، 3أكتوبر 2007م، بلا قيود نت، مرجع سابق.
([12]) وزير الشؤون القانونية: قانون العدالة الانتقالية وحزمة من التشريعات للإصلاح المؤسسي هي ضمانات لعدم تكرار الصراعات مستقبلاً، موقع المصدر أون لاين، 16 سبتمبر-2012م، على الرابط التالي: https://cutt.us/tSRQq .
([13]) محمد القاضي، اسكاي نيوز، حكومة اليمن تعتذر عن حروب الجنوب وصعدة، أغسطس 2013، https://cutt.us/6cvh6
([14]) وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، 2014، ص 14/15.
([15]) عبد العزيز الهياجم، تمثيل متساوٍ للشمال والجنوب في مؤتمر الحوار اليمني، العربية نت، 29 نوفمبر 2012، https://cutt.us/ddpwe
([16]) صحيفة أخبار اليوم -2012م، تم إعادة نشرها في 11 يوليو 2014- على الرابط التالي: https://2u.pw/ZE5yqfM
([17]) بلال الجرادي، أعضاء مؤتمر الحوار الوطني بين الانسحاب والاستبدال، مأرب برس، 27 مايو 2013، https://cutt.us/GrtJi
([18]) عثمان مجلي عضو مجلس القيادة الرئاسي حالياً، 9/ مارس 2022.. مقابلة اليمن اليوم مع رحمة حجيرة، https://cutt.us/xihGd
([19]) عضو مؤتمر الحوار الشيخ كمال بامخرمة يوجه نداءً عاجلاً لليمنيين بإنقاذ هوية الدولة الإسلامية، نشوان نيوز، https://cutt.us/UepCy
([20]) علي بابكر، تحدٍّ جديد يهدد مؤتمر الحوار باليمن، الجزيرة نت، 19 يناير 2014، https://cutt.us/pg80p
([21]) فهد سلطان، هوية الدولة اليمنية عودًا على بدء!!، 22 يوليو-تموز 2013، صحيفة مأرب برس، https://cutt.us/BZaKe
([22]) الرئيس اليمني: الحوار مفتوح للجميع بلا سقف، الوسط، العدد 3672، 25 سبتمبر 2012م، https://cutt.us/g1Nwq
([23]) نجيب سعيد غانم الدبعي، محطات على دروب التضحيات: الإصلاح وثورة فبراير 2011م (3-6)، موقع الاصلاح نت، 20 يوليو-تموز 2017، على الرابط التالي: https://2u.pw/1TJy53
([24]) عبد السلام القيسي، ذكرى سقوط صعدة، المشهد اليمني، 18 مارس 2022، https://2u.pw/6qboPf
([25]) مقابلة قناة روسيا اليوم -برنامج سلام مسافر مع جمال بن عمر المبعوث الأممي لليمن سابقاً، جمال بنعمر: السعودية دفعت الحوثيين إلى أحضان إيران!، إبريل 2023، https://cutt.us/VozOn
([26]) يمكن الاطلاع على بيان اعلان الرئيس هادي عدن العاصمة المؤقتة لليمن: في أول خطاب له من عدن بعد خروجه من صنعاء..الرئيس هادي: الغارات على المعاشيق عدوان همجي ارعن، صحيفة الأيام، 22 مارس 2015، https://2u.pw/1rwrRcq
([27] ) آدم جابر، وزير الداخلية اليمني: الإمارات تمنع هادي من العودة إلى عدن وتعيق على الحرب ضد الحوثيين والإرهاب، القدس العربي، 6 – أبريل – 2018، https://2u.pw/8mw5Giq
([28]) أرجوزات الدعاية الأمريكية أجهزةُ دعمٍ للديمقراطية؟ أم انقلابات تدعمها بوراجٌ وأسواق!!، موقع شبكة راصد الإخبارية: NID)،NED,IRI) ، على الرابط التالي: https://2u.pw/cvy4EZ9 .
([29]) جميل المحاري، معهد التنمية السياسية أسس لوأد عاصفة «إن دي آي» لكنه أصبح ضحية عواصف متتالية، صحيفة الوسط البحرينية، 12 يوليو 2009م، العدد: 2501، على الرابط: https://2u.pw/v8Zw47
-معهد تثقيفي أم منتج أمريكي في سوق الشرق الأوسط؟، صحيفة الوسط البحرينية – العدد 2816، 23 مايو 2010م الموافق 09 جمادى الآخرة 1431هـ، بعنوان: الـ (NDI): على الرابط التالي: https://2u.pw/HPuujAB .
– مأرب برس تعيد نشر وثيقة سرية: الأمن البحريني ينجح في اختراق السفارة الأمريكية: الحكومة البحرينية تشن هجوماً عنيفاً على المعهد الديمقراطي الأمريكي وتصف قياداته بالميول للصهيونية، موقع مأرب برس، 18 يناير 2007م، على الرابط التالي: https://2u.pw/FuEhhr
– دلال سلامة، منظمة أمريكية تدرّب الطلبة الجامعيين على “العمل الحزبي “والجامعات تمنعه، صحيفة الغد الأردنية، 20/03/2012م، على الرابط التالي: http://www.alghad.com/index.php.
([30]) ناصر اللهبي، أعرف عدوك المعهد الديمقراطي الأمريكي والعمليات القذرة نقلاً: عن مجلة الوعي، صحيفة أخبار اليوم اليمنية، العدد 798-799 تاريخ 24-25/6/2006م، على الرابط التالي: https://2u.pw/Y6qhOUL
([31]) مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي: اليمن أرض خصبة للتطور والحراك الديمقراطي، صحيفة 26 سبتمبر اليمنية، 07 إبريل 2008ـ, على الرابط التالي: https://2u.pw/ITsjyak
([32]) تقرير معهد السلام الأمريكي: حزب الإصلاح يعرض البديل الحقيقي الوحيد للحكومة الاستبدادية، موقع بلا قيود نت، 3-أكتوبر عام: 2007م, على الرابط التالي: https://2u.pw/utn8b9e
([33]) مؤسسات أمريكية تساعد جنوبي السودان، صحيفة الشرق الأوسط، 31 أكتوبر 2005م، العدد 9834، على الرابط التالي: https://2u.pw/6dzj9mB
([34]) إسماعيل السهيلي، أحمد عبد الواحد الزنداني، مقاربات في الدولة المدنية والإسلامية السياقات الفكرية والاستراتيجية، الطبعة: الأولى، عام:2011م، نقلاً عن: استراتيجية غربية لاحتواء الإسلام: قراءة في تقرير راند، المركز العربي للدراسات الإنسانية، السنة الأولى، العدد:4، مايو2007م، ص:(40).
إسماعيل علي السهيلي، كتاب فخ الدولة المدنية وعلمنة اليمن، مركز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية، الطبعة الأولى، 2012م، ص:(222-223).
([35]) تقرير معهد السلام الأمريكي: حزب الإصلاح يعرض البديل الحقيقي الوحيد للحكومة الاستبدادية، موقع بلا قيود نت، 3-أكتوبر عام: 2007م، على الرابط التالي: https://2u.pw/1crOc82
([36]) مؤتمر اليسار اليمني-ومشروع طموح للعدالة الاجتماعية، موقع يمرس نقلاً عن الاشتراكي نت، 3-سبتمبر 2013م، على الرابط التالي: https://2u.pw/J61yAnE