أوراق و دراساتسياسية

بناء الأمة الصومالية: جدالات الفكر والتطبيق

د. نزيه على محمد

باحث وكاتب مصري، دكتوراه في فلسفة العلوم الجيولوجية، جامعة المنوفية (مصر)، ليسانس الشريعة  والقانون، جامعة الأزهر، دبلوم معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة

مقدمة:

الصومال، خلافاً لسائر الدول الإفريقية، يسكنه شعب واحد وعرق واحد، يتكلمون لغة واحدة ويعتنقون ديناً واحداً، وقبل الاستعمار في النصف الثاني من القرن الماضي، كانت القبائل الصومالية تشكل مجتمعاً مميزاً من حيث اللغة والحياة والثقافة، حتى جاء تقسيم البلاد على أيدي إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وإثيوبيا، يجزئ هذا الشعب الواحد، في مستعمرات مختلفة.

كانت هذه التجربة في التجزئة وفى الحكم الاستعماري دافعاً سريعاً لتقوية الوعي الصومالي التقليدي ولإحساسه بثقافته الفريدة وهويته القومية، وهو ما ساعد على تنمية القومية وتحويلها من مجرد ظاهرة ثقافية إلى قوة سياسية دافعة.

واليوم بينما تتصارع دول إفريقية على جعل قبائلها المتباينة الجنس والعرق والدين أمة واحدة، يبذل الصومال جهده لخلق وحدة سياسية من شعب واحد، وكانت الخطوة الأولى ضم الصومال البريطاني إلى الصومال الإيطالي عام 1960، وإعلان استقلال الجمهورية الصومالية،([1]) بمثابة دعامة في قاعدة الأمة وحجر أساس تبنى عليه بقية الوطن، رغم أنه لا تزال أجزاء من الصومال الأرض وقبائل من الصوماليين الشعب في الصومال الفرنسي وفى إثيوبيا وكينيا، وفى ضوء الوضع اليوم يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً ضم هذه الأجزاء.

إن ما تسعى الدول الإفريقية الأخرى للحصول عليه موجود عند الصومال بكثرة، وفيما ترفع إفريقيا شعار توحيد ما عندها من قبائل، يرفع الشعب الصومالي شعار وحدة أراضى الصومال، ولكن هل لا ينقص الصوماليون إلا الوحدة السياسية ووحدة الأرض الصومالية لتكوين أمة واحدة؟

إشكالية البحث:

ما هي فرص تكوين الأمة الصومالية الموحدة في أرض الصومال التاريخية، وما هي التهديدات التي تمنع تكون هذه الأمة؟

الإطار المفاهيمي

مضمون الأمة كنوع تاريخي من المجتمعات البشرية ممثل في سمات محددة لأنواعها الفرعية سوف يختلف باختلاف السياق التاريخي، فمع كل حقبة يمكننا أن نتوقع اختلافات مهمة في سمات الأمم، ونظراً لتناولنا للحالة الصومالية، فإننا نُعنى بالتعريف الحداثي للأمة، الذي يربط نشأة الأمم بالمفهوم الحالي بنشأة تكوين الدول والقوميات.

فحسب ما ذكره “جيلنر،إرنست”:” من غير الممكن أن تتكون الأمم قبل فجر الحداثة (قبل الدولة الحديثة)، ففي المجتمعات (قبل الدولة) كانت قلة نخبوية تحكم قاعدة هائلة، وكانت الثقافة المكتوبة للنخبة مختلفة عن ثقافة العامة الشفهية، ولم يكن لدى النخب رغبة في نشر ثقافتهم، ولقد كان لدى العوام ولاء ديني ومحلي صرف (قومية بدائية) وعليه لم يكن من الممكن انتقال كتلة السكان وشعورهم بالولاء لمجتمعات قومية أوسع نظاماً إلا مع نشأة الدولة”([2]).

في حين أوضح “هستنجز، أدريان”: “إننا يمكن أن نجد الأمم نابعة من عرقيات شفهية موجودة ومنتشرة نتجت عن أعمال أدبية مكتوبة باللغة العامية”([3]). ويرى “رينولدز”:”أن مصطلح الأمة كان مستخدما على نطاق واسع في القرون الوسطى قبل نشأة الدولة” ([4]). ويؤكد “كونر”: “أن الأمم ( ظواهر اجتماعية) في حقب ما قبل الحداثة”، وهو ما يسميه (الأمم الصامتة)([5]).

والخلاصة أن الأفكار تتكون عادة من النخبة وكل ما يهم أن يشعر عدد كبير من الناس بأنهم ينتمون إلى أمة معينة كي يقال إن تلك الأمة موجودة.

ويرى “أندرسون”: “أن الاتحاد بين الطباعة والرأسمالية في إنتاج الكتب في أواخر القرن الخامس عشر أدى إلى دخول أعداد كبيرة في السياسة وتمكنهم في البدء في تخيل الأمة باعتبارها تضامنا له حدود وسيادة ويضم طبقات مختلفة ولم يكن ذلك إلا في القرن الثامن عشر مع إنتاج الصحف”([6]).

ولذا يرى “سميث”: “الأمة فئة سياسية أو ظاهرة سياسية بطبعها، أي مجتمع ذاتي الحكم مؤسس في دولة إقليمية ذات سيادة، الذى يرى أولوية الإجراء السياسي والمؤسسات السياسية لتشكيل الأمة”([7]).

وعلى هذا الأساس يربط الحداثيون بين المشاركة الجماهيرية في السياسة لظهور الأمة، فيرون الأمة ظاهرة سياسية، إلا أن هذا لا يعنى أن كل الأمم تسعى إلى تكوين دولة خاصة بها أو أن الدولة هي محل تركيز مسعى الأمة، فحسب “سميث”، الأمة مجتمع وجداني يظهر نفسه على نحو ملائم في صورة دولة خاصة به.

ولهذا يعتبر تطلع الشعوب إلى الاستقلال أمراً ذرائعياً إلى حد ما، فهو وسيلة تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية وثقافية محل قيمة في حد ذاتها.

نخلص من هذا العرض، أن التعريف الجامع للأمة: أنها تجمع بشري له سمته وتعريف ذاتي يبنى أفراده ذكريات ورموزا وقيما وتقاليد مشتركة ويخلقون ثقافة عامة مميزة وينشرونها ويلتزمون بأعراف وقوانين عامة مشتركة..

وعليه يعتبر تعريف الأمة هو تعريف، فئوي تحليلي على المستوى المفاهيمي، فهو فئوي، من الناحية السياسية والإقليمية، وتحليلي من الناحية الثقافية والتاريخية

الأمم الهرمية والعهدية والجمهورية

خلص “أنتونى دى سميث” في دراسته المعنونة باسم (الأسس الثقافية للأمم): “أنه يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع رئيسة للأمم، النوع الهرمي والعهدي والجمهوري، على النحو التالي:

1- النوع الهرمي:

الهرمية تشير إلى تسلسل مقدس إلى حد يصل إلى الاعتقاد في أنها تعكس وتجسد التسلسل السماوي على الأرض، ويوجد نوعان فرعيان لهذا النوع من التسلسل المقدس، في النوع الأول يكون الحاكم نفسه إلهاً، ويعاونه مجموعة من الكهنة والنبلاء الذين يشاركونه بعض القداسة، وتمثل مصر القديمة هذا النوع. والنوع الثاني الأكثر شيوعاً يكون الملك مندوب الإله، ويتلقى سلطة حكمه من الإله ويصدر الأوامر باسمه، وهذا النوع من التراتيبية الهرمية يميز الإمبراطوريات المتعاقبة في بلاد الرافدين.

2-النوع العهدي:

تقدم الثقافات العامة القائمة على فكرة العهد تصوراً أكثر مساواة للنظام الاجتماعي، وشكلاً أكثر حميمية للشراكة المقدسة بين أعضاء المجتمع. وفي هذا التصور المرتبط أساساً بالتقاليد التوحيدية، حيث يختار الرب جماعة لتنفيذ مشيئته من خلال فصلها عن الآخرين، وتنظيم حياة الأفراد في إطار قانوني أخلاقي وروحاني يقدس المجتمع والعالم.

وفي الحالات التي تتضمن هيكلاً هرمياً، يكون متلقى العهد كنيسة أو جماعة تتصرف نيابة عن المجتمع ككل. وكان هذا الوضع في أرمينيا في القرن الرابع والخامس، حيث نفذت الكنيسة الرسولية الأرمينية ” العهد” بين المسيح وشعبه. إلا أن العهد يمكن أن يوثق مباشرة مع عشيرة بأكملها، كما العهد الذي عقد بين الرب وشعب بني إسرائيل.

3-النوع الجمهوري:

وفيه فكرة المجتمع الذاتي الحكم، المستقل عن المساءلة الخارجية، وفى هذا النوع يرتبط المواطنون بعقد مدني وليس بعهد مع الرب، وعقيدتهم هي الحرية في ظل قانون مدني، وليس بتزكية النفس النابعة من السعي إلى القداسة، وانبثق من هذا العهد واجبات مدنية ومسؤوليات عامة قائمة على قوانين متوارثة عن المؤسسين والمشرعين القدماء، وفى هذا النوع حلت مبادئ الحرية المدنية والمساواة القانونية محل التراتيب الهرمية وحلت المواطنة محل النبالة من ناحية أخرى”.

وقد أكد “أنتوني دى سميث” في دراسته  على أن: “السمات الهرمية والعهدية والجمهورية متمازجة في أغلب الأحيان مع القومية الجمهورية  حتى يومنا الحاضر، ولا يقتصر صحة ذلك على  بريطانيا  واليابان وإسرائيل والولايات المتحدة، لكن يمكن أن نشهد هذا أيضا في دول قومية تمتد من إيرلندا إلى صربيا واليونان والمكسيك، حيث تحتفظ  الكنيسة بتبعية قوية في تلك البلاد، وما زالت المثل العهدية في الاصطفاء والرسالة العرقيين تثير حماسة شرائح من سكانها ومن ثم تقدم بدائل للمصائر القومية العلمانية التي حددتها النخب الليبرالية والاشتراكية أو تستمر في مزج هذه المصائر بقدر من البديل العهدي.”

وقد خلص “أنتونى دى سميث” إلى الملاحظات الآتية:

1- استمرار قدرة المجتمع والهوية العرقيين على أن يشكلا أحد أسس التضامن الاجتماعي والسياسي الراسخة على مدار التاريخ حتى يومنا هذا. وحتى هذه اللحظة لا نجد أي إشارة على انحسار الروابط العرقية الذي تنبأ به كثير من الليبراليين بل لعل العولمة والهجرات أحيت الروابط والمشاعر العرقية.

2- الأهمية المستمرة للتقاليد الثقافية لاسيما المتعلقة بالعهد والجمهورية، إذ أنها تمنح المجتمعات القومية ثراءً وتنوعاً يتعارضان مع محاولات القوميين خلق ثقافات موحدة ومواطنين متماثلين.

3- طول عمر الأمم وصمود التصورات القومية، حيث أن فكرة الأمة المعبر عنها في الكتاب المقدس العبري ظلت جزءاً من مفردات السياسة للنخب الأوروبية على مدار ما يزيد على ألف سنة وهي موجودة قبل ذلك في الشرق الأدنى، بيد أن ما كان ينقصها هو أقلمة الذكريات والارتباطات، أي ربطها بأماكن وأقاليم محددة وتكوين ثقافة شعبية مأرشفة.

4- حقيقة أن القومية بصفتها حركة وأيديولوجية تنبهنا إلى دورها المحوري والمستمر في العالم الحديث. فالقومية ظلت منذ دخولها في سياسة أوروبا الغربية في القرن السابع عشر عززت تصورات ومشاعر قومية وقدمت نموذجا للمجتمعات العرقية لكي تتحول إلى أمم سياسية”([8]).

العمليات المؤدية لتكوين الأمة:

حسب دراسة “أنتونى دى سميث”:” تشمل تلك العمليات تعريف الذات، تنمية العناصر الرمزية، الأقلمة، نشأة ثقافة عامة مميزة، وتوحيد القوانين والأعراف.

1- تعريف الذات

إن تعريف الآخرين للجماعة قد يميزها، ولكن الأمم تحتاج تعريف ذاتها تعريفا واضحاً، وهذا يتضمن اتخاذ الجماعة السكانية اسماً جمعياً يُعرف به المجتمع نفسه ويعرفه به الآخرون ويتماهى الأفراد مع هذا المجتمع المسمى ورموزه، وهذا لا يحدث إلا عندما يبدأ الأفراد في معرفة من يكونون ويشعرون أنهم مجتمع مميز له اسم محدد.

وفي عصرنا هذا يجب ألا تتخذ كل أمة لنفسها اسما فحسب بل يجب أن يميزوا أنفسهم عن المهاجرين إليهم كما فعل الألمان مع المهاجرين الأتراك.

2- تنمية العناصر الرمزية

إن خلق الذكريات والرموز والأساطير والقيم والتقاليد وتنميتها يحدد التراث الثقافي المميز لكل جماعة عرقية وكل أمة، كما أن الإيمان بوجود علاقة بين الأسلاف هي العنصر المميز للانتماء العرقي حتى لو كانت سلاسل النسب خيالية.

3- الأقلمة

أصبح الارتباط بأماكن محددة ورسم حدود مكانية لتمييز (الوطن) عن خارجه عمليات مميزة للأمة بصبغة خاصة، وهو ما يعرف بأقلمة الذكريات، أي ربط الذكريات بمناطق معينة وبمجتمع بعينه، فتصبح أرض المجتمع وموطنه جزءاً لا يتجزأ من تاريخه وثقافته كما هي الحال مع أهرامات المصريين، أي أنه في اعتقاد القوميين لا وجود للأمة ان لم تكن جماعة لها أرض.

4-نشأة ثقافة عامة مميزة

المقصود بالثقافة العامة هو خلق نظام طقوس ورموز ومراسم عامة وتكون قواعد وأدبيات عامة مختلفة، ومثال ذلك: لغة مشتركة وتقاليد مشتركة، فهي ملكية عامة وتمثل معيارا محددا للتميز الثقافى. ويظهر “أدريان هستنجز” (المرجع السابق 3) دور العمليات الأربعة السابقة (تعريف الذات، العناصر الرمزية، الأقلمة واللغة العامية) في بحثه عن أسباب سيادة الأمم في العالم المسيحي الغربي، فذكر أن ذلك نتيجة لسمتين من سمات المسيحية:

الأول: المسيحية على النقيض من الأديان الأخرى سمحت باستخدام اللغات والترجمات العامية.

الثاني: تبنت المسيحية العهد القديم في سرده لنموذج أمة وحدوي في إسرائيل القديمة كنموذج مزج الأرض بالشعب باللغة بالدين.

5- توحيد القوانين والأعراف:

يمكن تمييز الأمم على أنها مجتمعات قائمة على قانون وعرف ويتمتع أفرادها بحس الصالح العام ويؤدون مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة وعلاقات مع بعضهم البعض والأغيار”(المرجع السابق-8)

بناء الأمة والدولة:

ذكر “موليناس”:” بناء الأمة هو انشاء الهوية القومية وهيكلتها اعتمادا على سلطات الدولة”([9]

و وفقا للعالم السياسي في جامعة كولومبيا “ويمر” تغلب ثلاثة عوامل في تحديد نجاح بناء الأمة على المدى الطويل:- ” التنمية المبكرة لمنظمات المجتمع المدني، ونشوء دولة قادرة على توفير المنافع العامة بالتساوي في جميع أنحاء الأقاليم، وظهور وسيلة اتصال مشتركة”([10]

فى العصر الحاضر، يشير بناء الأمة إلى الجهود التي تبذلها الدولة حديثة الاستقلال، لإعادة تحديد عامة الشعب في الأقاليم التي انتزعتها السلطات أو الإمبراطوريات الاستعمارية بغض النظر عن الحدود الإثنية أو الدينية أو غيرها، من شأن تلك الدول المعاد تشكيلها أن تصبح كيانات قومية مترابطة وقابلة للبقاء([11]

ينطوي بناء الأمة على إقامة الرموز الوطنية كالإعلام والأناشيد الوطنية، والأيام الوطنية، والملاعب الوطنية وخطوط النقل الوطنية واللغات. ([12]).

يهدف بناء الأمة إلى توحيد الشعب ضمن الدولة بغية بقائه مستقراً سياسياً وقابلاً للبقاء على المدى الطويل، ووفقا لميلوناس فإن “شرعية السلطة في الدول الوطنية المعاصرة متصلة بحكم شعبي لدى الأغلبية”(المرجع السابق-10)

أما “سميث” فهو: “يعد بناء الأمة العملية التي تبنى تلك الأغلبيات خلالها (الأسس الثقافية للأمم “(المرجع السابق-8)، وقد جرت العادة أن يكون هناك التباس بين استخدام مصطلحي بناء الأمة وبناء الدولة، فكلاهما يمتلك تعاريف متقاربة ومختلفة نسبياً في العلوم السياسية.

ولكننا يمكن أن نوجز الفرق بين البناءين، في أن بناء الأمة يشير إلى بناء الهوية كما وضح سابقاً، في حين أن بناء الدولة يشير إلى بناء المؤسسات والبنية التحتية، أي أن بناء الأمة يشير إلى الفكر وبناء الدولة يشير إلى الكيان الجغرافي والزماني.

وعليه بناة الأمم هم بناة الهوية، وهم الرموز الفكرية والثقافية المعاصرة والتاريخية، أما بناة الدول هم الرموز السياسية والقادة الجماهيريين.

ومن ثم :”غالبا ما يكون بناء الفكر أمراً داخلياً وهو ما يحقق الهوية ويضمن تجذرها،، أما بناء الدولة غالباً ما يكون جهوداً لسلطات خارجية، وهو ما يعتبر مزعزعا للاستقرار”([13]

بناء الأمة الصومالية

من خلال العرض السابق وإسقاطه على الحالة الصومالية، نستخلص الآتي:

العمليات اللازمة لبناء الأمة الصومالية، هي العمليات الخمسة السابقة (تعريف الذات، تنمية العناصر الرمزية، الأقلمة، نشأة الثقافة العامة المميزة وتوحيد القوانين) وهذه العمليات تنجح في بناء الأمة وفق ثلاثة عوامل (التنمية المبكرة لمنظمات المجتمع المدني، ونشوء دولة قادرة على توفير المنافع العامة بالتساوي في جميع أنحاء الإقليم، وظهور وسيلة اتصال مشتركة)، ونستطيع تفصيل هذه العمليات الخمسة كالتالي:-

1-تعريف الذات:-

و يتحقق هذا التعريف بتحديد الهوية الوطنية من ناحية الأفكار وتأسيس دولة معترف بها دولياً ينتسب إليها شعب الصومال وذلك تحقيقاً لمبدأ الحداثيين، أن الأمة هي ثمرة الدولة وفي اعتقاد القوميين، لا أمة بغير أرض، وأن الأمة هي ظاهرة سياسية، ومن الناحية العملية بغير الإنتماء إلى دولة جامعة، تصبح الأمة واقعة تحت عداء وتخوفات الدول الساعية إلى دمج كل الأعراف في المواطنة، وذلك لما حدث من تعارض بين الأعراف والمواطنة وخاصة في إفريقيا المستقلة حديثة.

2- تنمية العناصر الرمزية

لا يفتقر الشعب الصومالي إلى الرموز والتقاليد والذكريات ولكنه يفتقر في ظل غياب الدولة الجامعة للمؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني الموثقة للرموز والتقاليد والذكريات، حيث أن الدول المتنازعة مع الصومال على الأرض تعتبر إبراز الرموز والتقاليد والذكريات هو تهديد لوحدتها وأمنها القومي.

و من ثم تنمية العناصر الرمزية مرده إلى الدولة الجامعة للمؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني.

3-الأقلمة

أول الأقلمة، ارتباط الشعب (بإقليم) وأقلمة الذكريات، وهذا لا يتم إلا بسكن الأغلبية في أرض تنتمى إلى دولة. و ربط الأحداث والذكريات بالمكان والبناء.

4- نشأة الثقافة العامة

و أول الثقافة اللغة وثانيها التقاليد، فاللغة تحرسها الدولة كلغة دولة ووسيلة تواصل مشتركة، والتقاليد يرعاها مؤسسات المجتمع المدني.

5- توحيد القوانين والأعراف

سن القوانين، هو دور حصري لمؤسسات الدولة، والأعراف السياسية تحرسها الدولة، أما الإجتماعية فهي نابعة من الهوية ويحرسها المجتمع بمؤسساته المدنية.

فرص بناء الأمة الصومالية:

يتلخص فرص بناء الأمة الصومالية في فرص تحقق العوامل الثلاثة (المجتمع المدنى والدولة القادرة والتواصل الفعال).

مع التسليم بأن المجتمع المدني يقوى وينظم في ظل الدولة القادرة تصبح فرص قيام الدولة هي فرص المجتمع المدني والتواصل على النحو التالى:

1- وحدة الصومال  العرقية واللغوية والدينية

“يعد الصومال من المجتمعات التى تتمتع بوحدة القوميات والعرقيات إلى جانب التجانس اللغوي ووحدة الديانة، الأمر الذى يوفر بيئة آمنة لأرضية مشتركة بين فئات المجتمع الصومالي لإيجاد نظام موحد مستقبلاً”([14]

و لقد ذكر ” كونر” أن:” الأمم جماعات عرقية تتمتع بوعي ذاتي حقيقي، وتشكل الأمة أكبر جماعة مؤسسة على اعتقاد أفرادها أن بينهم صلات قرابة تعود إلى سلف مشترك. وان كانت هذه العملية مطولة للغاية، لأن الأمم تنشأ على مراحل، الا أن التحديث يعمل محفزا قويا يسرع من هذه العملي، نظرا لأنه يجعل الكثير من الجماعات يتواصل عن كثب بانتظام”([15]

2- نمو أفكار السيادة الشعبية

“إذا نظرنا إلى النفوذ الكيني والإثيوبي في الصومال نتلمس أن خيوط المؤامرة لتقسيم الصومال حيكت منذ زمن، ومع ذلك تفشل كل مخططات الدول الإقليمية الأشبه بالإستعماريين الجدد في القرن الأفريقي، في فرض وصاية على الصومال، فمحاولات التقسيم التى تخططها دول الجوار منذ عقود ورغم غياب إدارة رسمية تواجه وتمثل تحديات للمخططات الإقليمية باءت بالفشل”([16]).

بالإضافة إلى نمو أفكار السيادة الشعبية في العصر الحديث، واعتبار حكم الأجنبي حكماً غير شرعي، وهذا ازداد مع نمو النزعة القومية في محيط إفريقيا المستقلة حديثاً. وهذا ما أكد عليه ” جيلنر”:” في حقيقة الأمر إذا أردنا البحث عن الأسباب المباشرة لتوقيت نشوء الأمم فإن بحثنا لا يتجاوز النخبة المثقفة القومية.. إن القوميين هم من يخلقون الأمم وليس العكس”(المرجع السابق -2).

3- فشل بديل الدولة

“يوجد في الصومال في ظل الفوضى الحالية مجتمعات قبلية متنوعة تحكم نفسها بنفسها، لكنها ليست كيانات قابلة للحياة، وفي أرض الصومال يقترح البعض من الأقاليم الشمالية فيدرالية بين الصومال وأرض الصومال”. (المرجع السابق-16).

تحديات بناء الدولة الصومالية

1- جدلية الهوية والانتماء

تشكل قضية الهوية والانتماء حيزاً كبيراً من الاهتمام والنقاشات الحادة بين المثقفين والنخب الصومالية، إذ تطرح أسئلة عديدة حول هوية الصومال، هل هي عربية أم إفريقية؟؟ وما هو الانتماء الحقيقي للشعب الصومالي، وينقسم الشارع والأوساط الثقافية في هذه المسألة حيث يرى قسم كبير من مثقفي البلد أن الشعب الصومالي ينتمي إلى العروبة والثقافة العربية، بينما في الجانب الآخر يجادل كثير من المثقفين، أن الانتماء الحقيقي هو إفريقي مما يحمل في طياته كثير من المتاعب التي أرقت المجتمع الصومالي.

يستدل المتحمسون للهوية العربية بالاعتقاد السائد لدى الصوماليين بالانتماء العربي إذ أن معظم القبائل الصومالية ترجع أصولها إلى القبائل العربية ويتفاخرون بذلك، ولا ننسى أن قبائل عربية كبيرة عاشت في الصومال وحكمت على ربوعه عدة قرون، خاصة في العصر الإسلامي الأول، وكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية إلى جانب الصومالية في التخاطب والمراسلات والعقود والأدب.

وقد حاول الاستعمار طمس العربية لغة ورسماً، إلا أنه لم ينجح حتى جاء الحكم العسكري بقيادة (محمد سياد بري) وسعى لترسيخ هوية صومالية، وقرر الكتابة بالأبجدية اللاتينية ليعلن الفراق التام عن العربية إلا أنه قرر الانضمام للجامعة العربية عام 1974 بعد أن رأى قرب الإنسان الصومالي للعربية.

وفي المقابل من يرجح الانتماء الإفريقي للصومال يرجح أصل الصوماليين إلى السلالة الكوشتية التي عاشت منذ عشرات القرون، ويرون أن الانضمام للجامعة كان لدوافع سياسية وجيوبولوتيكية، والإنسان الصومالي هو ملامحه فاتحة يتمتع بشعر ليس أجعد وبشرة فاتحة، ليست كالقوميات الأخرى مثل (العفر والأوروموا)، وبالنظر لشعوب العالم فإن الإنسان الصومالي هو إنسان زنجي إفريقي ينتمي إلى السلالة الإفريقية، وهذا هو التوصيف الصحيح للأمة الصومالية ” أمة سوداء تعيش في القارة الإفريقية”.

كما توجد في الصومال قبائل تنتمي إلى العرق الزنجي وهي قبائل ” البانتو” وهي تتعرض للاحتقار، نظراً لتفاخر القبائل الصومالية بالانتماء العربي ورفضهم الزنوج، ولذا يعيش الشعب الصومالي جدلية الهوية مع نفسه ومحيطه العربي والإفريقي، فيرى الأفارقة الصوماليين وكأنهم يتنصلون من الجسم الإفريقي ويلتصقون بالعروبة، بينما في المقابل لم يقبل العرب عروبة الصوماليين وثقافتهم، وإن قبلوها سياسياً، مما أضاع الصوماليين لاعتبار كل من الهويتين للصومال أنه يميل للطرف الآخر.

وساهم غياب القيادة الواعية ووقوع الصومال في دوامة الحرب الأهلية في عدم الاستفادة من جمع الهويتين في آن واحد وتأخير الفكرة القادرة على دمج الهويتين للصومال وأنه يقع بين تيارين وأمتين وأن الصومال يشترك مع الأمة العربية في العقيدة والجغرافيا والتاريخ والثقافة ومع إفريقيا بالتقاليد والعادات والملامح والسحنات والمصير.

“وفي الأخير يجب أن ننظر إلى الصومال على أنه حالة فريدة من نوعه يستطيع الجمع بين الثقافتين والهويتين العربية والإفريقية وبإمكانه أن يكون نقطة التقاء وانصهار للهويتين ويكون مجال للتقارب (الأفروعربي) وعليه أن يحافظ على هويته العربية إلى جانب الإفريقية”([17]

2- التدخل الاقليمي

تدعم قوى خارجية مختلفة المشروع الفيدرالي (القبلي) الحالي، وتعد إثيوبيا وكينيا المجاورتين للصومال المناصرتين الرئيسيتين للصيغة الفيدرالية القائمة على أسس (قبلية)، فقد حلت أديس أبابا ونيروبي فعليا محل الحكومة المركزية للصومال في مجالي الأمن والسياسة طوال العقدين الأخيرين، وشاركتا بنشاط في تصميم الفيدرالية القائمة وتنفيذها

على أسس قبلية في الصومال منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، فقد قدمت أثيوبيا في منتدى شركاء الهيئة الحكومية للتنمية (إيفاد) عام 1998، موقفها في ورقة تضمنت إنشاء أقاليم خمسة أو ستة في الصومال بمعيار قبلي بحت، واقترحت أديس أبابا هياكل إدارية محلية مما يعنى أن الأقاليم التي تنتج عنه ستهيمن عليها أربع قبائل مسلحة، وهي “دارود ودغل ومرغلي وهوية واسحاق” (المرجع السابق -17). ويقدم حكام أُثيوبيا على مر العصور روايات مختلفة ومتشابهة وهي حماية الجزيرة المسيحية في بحر من الوثنيين والمطالبة بممر على البحر.. واليوم يضاف إليها الحرب على الإرهاب.

3- فساد المركزية الادارية

عانى كثير من الصوماليين من مظالم تتعلق بصورة نظام الحوكمة في الصومال وخاصة المرتبطة بالسلطة المركزية في العاصمة مقديشيو، إذ عاشت البلاد على مدى عقدين من الزمن في ظل حكم ديكتاتوري جعل السلطة متمركزة بالعاصمة ويخشى كثير من المواطنين عودة هذا النظام المركزي في حال عادت اللحمة الوطنية كما تتمثل صور المركزية الفاسدة في اتخاذ القرارات السياسية.. وهو ما حرم الأقاليم من إمكانية توسيع نظام الحكم الرشيد في البلاد.. كما أن الحصول على الخدمات الرئيسة والتوزيع العادل للموارد كان مطلباً سائداً لدى الصوماليين.

ولقد حاول الرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ محمود، إقناع القبائل والأطراف الصومالية بضرورة اعتماد نظام حكم رشيد، لكن لم تفلح جهوده واتجه إلى تكريس الفيدرالية، وبصعوبة بالغة تحققت الولايات الفيدرالية القبائلية، مما يعكس استحالة اقناع الأطراف وزرع الثقة لإيجاد نظام مركزي موحد مستقبلاً..

كما أن العقلية الضيقة لا تبني للصومال دولة مؤسساتية بل تستفيد من غياب الدولة لتفرض ولاءاتها وانقساماتها داخل المجتمع الصومالي (المرجع السابق-17)

4- ضعف الاقتصاد:

تردى الوضع الاقتصادي في البلاد واعتماد النظام السياسي على الدعم الدولي والمعونات العربية في صرف رواتب جنوده وموظفيه، يهدد استقلالية القرار السياسي في الصومال، وذلك ما يؤثر على مستقبل الصومال السياسي وكذلك يضعف فاعلية الجيش مما يثير شهية دول الجوار والدول الاقليمية للتدخل لاقتطاع أرض أو اقتناص ثروة (المرجع السابق-17)

خطورة التبعية

إذا كان التعريف الإجرائي للأمة أنها مجتمع بشري له سمته وتعريف ذاتي يبنى أفراده ذكريات ورموز وقيم وتقاليد مشتركة ويقطنون موطناً تاريخياً يتماهون معه ويخلقون ثقافة عامة مميزة ويلتزمون بأعراف وقوانين مشتركة”

من هذا التعريف يتضح قيمة الثقافة (الهوية) والموطن والقانون، وهذا ما يمكن تلخيصه في “شعب يملك ثقافة ويسكن وطن تنظمه دولة بقانون خاص” ونخلص في الحالة الصومالية إلى خطورة فقد استقلال الوطن وضياع الثقافة بالتبعية.

أولا: تبعية العَلَم (الوطن)

يتفلت الوطن من أيدي الشعب الصومالي، إما بالاقتطاع إلى أقسام إدارية سياسية تابعة للقبيلة أو الوصاية الخارجية أو الدول الخارجية كالصومال الفرنسي أو الإثيوبي، وهذا يعززه (الدولة الفاشلة) التي لا تكفل للجميع على قدم المساواة الأمن وأسباب العيش الكريم والرخاء الاقتصادي رغم توفر الموارد، بالإضافة إلى الانتماءات القبلية والعشائرية التي تؤجج الصراع على الأرض والموارد.

ثانياً: تبعية القلَم ( الثقافة)

أما الثقافة وهي أخطرها، حيث تغلب الفكرة الوافدة المعلبة، والغالبة مادياً على ثقافة المجتمع التى تؤجج الصراع بين المجتمع وثقافته الإسلامية المتجذرة من بيئته ونتاج علمائه مع ثقافة الدعاة القادمين من (الخليج).

ولقد رصد “مركز مقديشيو للبحوث والدراسات” هذه الظاهرة فذكر: “بما أن الثقافة تتركب من عموميات وخصوصيات وأن معاييرها هي الطابع الأكيد في صناعة اندماج الأمة وانسجامها مع بعضها البعض وتناغم أحاسيسها ومشاعرها، هناك جدل قائم بين دعاة الصومال والثقافة الاجتماعية في ماهية الثقافة التى تحمل تقابلاً نفسياً وترجمة رسمية للهوية الصومالية المسلمة، فكان أن طرأ في خاطر الدعاة أن المجتمع الصومالي بحاجة إلى مصنع جديد يستهدف تدمير الثقافة وتقزيمها، وكأن المجتمع قبلهم كان يتأسلم ويتظاهر بالإسلام ولم يكن مسلماً.

حيث يتوافد الدعاة من دول الخليج العربي إلى مرافئ الصومال ومدنها يلبسون زي الخليج من مشلح أو معطف وعمامة قوراء حمراء وقمصان خليجي، ما يظهر انسلاخهم من ثقافة اللباس السائد في بلادهم، وساد سلوكهم محاكاة الخليج قلبا وقالبا من ملبس وشكل وتعامل وطريقة حياة حتى تكاد تطلق إزاء كل هذا لباس الشهرة ورياء الأعمال!  وأعقب ذلك نكران الأمة صنيعهم وهاج في نفس المجتمع توجس مما يصنع الداعية من سعيه الحثيث في طمس معالم الثقافة الصومالية المرتبطة أصالة بالإسلام، وتارة تلاحظ الأمة معاول تهدم كيانها الوجودي من تقليل شأن اللغة الصومالية وقيمتها الشريفة، حتى ترى من بينهم من يندم على انتمائه للغة الصومالية؛ وذلك ظاهر في كل ميادين المؤسسات التربوية من مدرسة وندوة ومعهد، وسبب التنافر بين الدعاة والمجتمع إنما هو راجع إلى زلزلة أركان الثقافة الصومالية

الذي هو الرابط الوحيد بين أبناء سكانها، وهو المحضن الدافئ الكفيل بتربية الأبناء على التعاليم الإسلامية، ولهذا فإن السخرية من اللغة والثقافة والملامح تفضي إلى ذوبان المقصد الدعوي في صراعات تافهة لا تعرف نهايتها؛ وحتى المنهج الدراسي يحشي في ذاكرة الطلاب أيام العرب وسيرتهم العسكرية حتى قيام الدولة الحديثة، مما يجعل الشخصية الصومالية تتمحور في الخليج العربي منبهرة في ثقافتهم التي تكون هي نفسها على مسافة واحدة توازي مسافة الثقافة الصومالية المنبوذة للإسلام.

هذه الممارسات الدعوية تشهد أن قاموس تراث الداعية يستقى منه مفاهيم عنصرية لمعنى الأمة مثل أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وعليه يجب على غير العرب أن يصير رديفا يتبع دابر قبائل العرب.

وصارت جهود المدرسة التقليدية تنهال بضرباتها على الصحوة من خلال نشر الكراهية واللجوء إلى أسلوب التهييج وخلق المناورة بين الشعب ورواد المدرسة الحديثة بافتراءات أشبه ما تكون من ميراث أبي مرة (إبليس) فانحرفت المدرسة التقليدية عن الطريق المستقيم في تناولها لمدلول الأمة بالسياق القرآني وفسرت مكون الأمة بأنه قائم على روابط جهوية مادية وقبلية.

أخذت دلالة الأمة عند المدرستين طرفي نقيض، ما بين إفراط وتفريط، من يدمر خصوصيات الأمة حتى يشك الناس في دينهم وتدينهم، ومن يدمر قضية البشر الكونية ويقطع الحبل الذي يربط الأمة بربهم، فتدلى رابط الدم والقبيلة وأصبح دين الله لا يحيد عنه الناس. (المرجع السابق -17)

خلاصة

نخلص من هذا العرض إلى أن معوقات تكون الأمة الصومالية على أرض الصومال التاريخية تتمثل في التبعية الثقافية والمؤسساتية ومن ثم تصبح صوملة الهوية والثقافة والمؤسسات الضرورة الاساسية لتكون الامة الصومالية.

وإذا كانت التبعية سواء للوطن أو الثقافة هي التهديد الأكبر لبناء الأمة الصومالية، فبالطبع يصبح الخلاص من هذه التبعية هي الضمانة الحقيقية لبناء الأمة الصومالية، تحقيقاً لصوملة العَلم والعِلم، أي (صوملة الوطن والثقافة).

مع ضرورة وجود وطن للشعب الصومالي على أرض تنظمه دولة بقانون خاص بالشعب الصومالي متحرر من المساءلة الخارجية وذلك بمراعاة الاعتبارات التالية:

1- نظام دولة جمهوري، لضمان المساواة القانونية وتجنب التراتيب الهرمية التي تغذيها القبلية والإثنية، وتضمن الحرية المدنية والمساواة وإحلال المواطنة محل النبالة، في ظل قانون مدني يرتضيه الجميع ككل يضمن واجبات وحقوق متساوية على الجميع من واقع المواطنة لا التفاضلية العرقية واللون.

2- دولة توفر لكل المواطنين المنافع العامة بالتساوي في جميع أنحاء الأقاليم، وذلك بالاستغلال الأمثل لموارد وثروات الوطن، تجنبا للتفاوت في توزيع الثروة المفضي إلى ضعف الانتماء والتمحور حول القبيلة والجنس وكذلك تجنباً للتبعية الاقتصادية المفضية لارتهان الوطن وتبعيته.

3- توفير وسيلة اتصال مشتركة، تحقق الانتماء الوطني وكيانات مترابطة وقابلة للبقاء، وهذه الوسيلة لابد أن تتضمن الاتصال الفكري والمعلوماتي والثقافي كالمجالس النيابية والإعلام والطرق والتعليم.

4- الدولة شرعيتها متصلة بحكم شعبي لدى الأغلبية، وهو ما يتطلب تقوية منظمات المجتمع المدني المحققة للانتماء والجهد الذاتي التعاوني لنفع المجتمع العام لا القبيلة أو الجنس.

6- وقف التدخل الإقليمي والتبعية للخارج، وذلك بتحقيق الاستثمار الجيد للموارد واكتساب المشروعية من الشعب.

7- يعاني الشعب الصومالي من جدليتين لابد من حسمهما، جدلية الهوية والانتماء وجدلية المرجعية الفكرية، وهاتان المرجعيتان لهما بالغ الأثر في تفكك الشعب الصومالي وغياب اللحمة المطلوبة لنشأة الأمة واستقرارها. وليس بعيدا ضرورة أن يقوم بهذا الحسم جهاز الدولة المعرفي والتعليمي ومنظمات المجتمع المدني والمثقفون ورجالات الفكر والأدب.

8- حسم جدلية الهوية والانتماء، وذلك بالنظر إلى الصومال على أنه ليس واقعاً بين تجاذبين (عربي وإفريقي)، وإنما هو حالة فريدة يستطيع الجمع بين الثقافتين والهويتين ويكون نقطة التقاء وانصهار للهويتين، وذلك يتطلب رموزاً ثقافية واعية تعتبر اختلاف الهويتين تنوعاً لا تضاداً، تأخذ من كل منهما وتدع.

9- حسم جدلية المرجعية الفكرية، وذلك بحسم الجدل بين دعاة (الخليج) والثقافة الاجتماعية، بانفتاح علماء الصومال على مدارس العلم بالخارج بلا ريبة وأن يقدم دعاة الخليج ما عندهم بلا عنصرية وانسلاخ عن مجتمعهم متبعين الفكرة الوافدة المعلبة والغالبة مادياً.


[1] – محمد فريد حجاج, صفحات من تاريخ الصومال, دار المعارف, مصر,1983, ص: 60

[2] – Gellenr, Ernest (1983): Nationals  and Nationalism, Oxford: Blackwell. Geopolitics (2002): Special Issue on “When is the Nation?” 7,2.

[3] – Hasting, Adrian (1999): “Special Peoples” Nations and Nationalism 5,3,381 -96

[4] – Reynolds, Susan (1983): “Medieval origins gentium and the Community of the Realem” History 68, 375 -90.

[5] – Conner, Walker(18July2011): “Nation-Building or Nation- Destroying?” .World Politics.24(3):319-355

[6] – B. Anderson (1991): Imagined Communities: Reflections on the Origins and Spread of Nationalism, London

[7] – Smith, Antony (1983): Theories of Nationalism, 2nd edition, London and New York

[8] – أنتونى دى سميث “الأسس الثقافية للأمم” ترجمة مؤسسة الناشر هنداوي، (2012).

[9] – Mylonas, Harris(2017),”Nation Building” Oxford Bibliographies in International Relations.Ed. Patrick James.New York:Oxford University Press.

[10] – Wimmer, Andreas(2018), “Nation Building: Why some Countries Come Come Together While Others Fall Apart”.164-151:(4)60

[11] – Mylonas, Harris(2012). The Politics of Nation – Building: Making Co-Nationals, Refugees, and Minorities. Camruidge: Cambridge University Press.

[12] – Jochen Hippler(2005).”Nation- Building: a key concept for peaceful conflict transformation?” translated by Barry Stone. London: Pluto.

[13] – Fukuyama, Francis(ed)(2006).Nation –Building: Beyond Afghanistan and Iraq Baltimore, Md.:Johns Hopkins University.

[14] – رياض نجيب الريس “الصومال أمة واحدة” جريدة البيان الإماراتية -19إبريل 2007

[15] – Conner, Walker(1994): Ethno-Nationalism:The Quest for Understanding, Princeton, Princrton University Press.

[16] – علمى, أفياري “نظام موحد لا مركزي, نموذج ممكن لأرضية وسطية  فى الصومال” المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات, أغسطس/آب 2015

[17] – عبد القادر شيخ آدم “الأمة في تراث الدعاة في الصومال” مركز مقديشيو للبحوث والدراسات, 26 سبتمبر 2017

Admin

القرن الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات: مؤسسة بحثية مستقلة، تأسست عام 2020 تقوم على إعداد البحوث والدراسات والتقديرات وأوراق السياسات، وتنظيم الفعاليات العلمية والأكاديمية وتقديم الاستشارات حول التفاعلات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية في منطقة القرن الأفريقي، وما يرتبط بها من تفاعلات إقليمية ودولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى