المنتدى الأفريقيتحليلات وتقديراتسياسة

الولايات المتحدة والهيمنة على مناجم الكونغو الديقراطية

تتحرك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحركًا متسارعًا لترسيخ موطئ قدم إستراتيجي في قطاع التعدين داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، في مقابل دور الوساطة الذي لعبته واشنطن لإنجاز اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا بوساطة قطرية، في يونيو/ حزيران 2025.

يأتي هذا التوجه الأميركي ضمن سياسة أوسع تهدف إلى تقليص الاعتماد على الصين في تأمين الإمدادات الحيوية من المعادن الإستراتيجية، مثل الليثيوم والكوبالت والنحاس، وهي مواد أساسية في الصناعات المستقبلية كالبطاريات الكهربائية والتقنيات المتقدمة.

وفي خطوة تعكس هذا التحول، أعلنت شركة “كوبولد ميتالز” -وهي شركة أميركية ناشئة مدعومة من المليارديرين جيف بيزوس وبيل غيتس– عن توقيع اتفاق مع الحكومة الكونغولية لتأكيد اهتمامها بتطوير أحد أكبر مكامن الليثيوم الصلب في العالم، المعروف باسم مشروع مانونو.

هذه الخطوة تأتي رغم أن المشروع لا يزال عالقًا في نزاع قانوني دولي، إذ تتهم شركة “إيه في زي مينيرالز” الأسترالية حكومة الكونغو بإلغاء ترخيصها بطريقة غير قانونية، مما دفعها إلى اللجوء للتحكيم الدولي.

وهناك تحالف أميركي يتألف من مستثمرين ذوي خلفيات عسكرية واستخباراتية سابقة يتصدر السباق لعقد صفقة استحواذ على شركة “شيمَف” للموارد، وهي شركة ناشطة في إنتاج النحاس والكوبالت، ويقع مقرها قرب مدينة لوبومباشي.

وتعد هذه الصفقة ذات أهمية إستراتيجية لواشنطن، في وقت تحاول فيه إبعاد النفوذ الصيني، خاصة أن شركة “نورينكو” الصينية كانت قد سعت سابقًا للاستحواذ على “شيمف”، لكن الصفقة تعطّلت بسبب اعتراض شركة التعدين الوطنية الكونغولية.

وتعدّ الكونغو ثاني أكبر منتج للنحاس في العالم، وأكبر مصدر عالمي للكوبالت، وهو عنصر أساسي في البطاريات القابلة لإعادة الشحن، ولهذا، باتت الدولة الأفريقية مركزًا للتنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين، خاصة في ظل توجه أميركا لتأمين سلاسل التوريد بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الصين.

اهتمام واشنطن بتأمين هذه الموارد لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يرتبط كذلك بضرورات الأمن القومي الأميركي، غير أن طريق هذه الاستثمارات يواجه عدة صعوبات، إذ إن اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا، الذي وُقّع في واشنطن برعاية أميركية، لا يزال في مراحله الأولى، والتنفيذ على الأرض يواجه تحديات كبيرة في المناطق الشرقية المضطربة، كما أن المشاريع الاستثمارية تواجه عراقيل قانونية وتنظيمية داخلية، إضافة إلى قلق من تغيّر المواقف الحكومية أو ضغط الجهات الفاعلة المحلية.

دعم ترامب للاستثمار في قطاع المعادن الكونغولي أعطى دفعة قوية للمستثمرين الأميركيين الذين طالما تجنبوا الدخول في هذه السوق، وأي تأخير في تنفيذ الصفقات، أو تصاعد النزاعات القانونية، قد يُفقد الولايات المتحدة الزخم السياسي والاستثماري الذي تحاول بناءه، ونجاح هذه التحركات مرهون بقدرة واشنطن على تجاوز العراقيل القانونية والمؤسساتية، وكسب ثقة السلطات الكونغولية، وسط تنافس محتدم مع القوى الأخرى، وعلى رأسها الصين.

حكومة الكونغو وتوقيع الاتفاق

وقّعت جمهورية الكونغو الديمقراطية، 17 يوليو/ تموز 2025 اتفاقا مع شركة “كوبولد ميتالز” الأميركية لاستكشاف الموارد المعدنية في جميع أنحاء البلاد.

تم توقيع الاتفاق بحضور الرئيس فيليكس تشيسيكيدي الذي عرض في وقت سابق على إدارة ترامب الاستثمار في موارد البلاد مقابل دعم أمني وعسكري في وجه المتمردين، وتخطط “كوبولد ميتالز”، لاستثمارات كبيرة تتجاوز مليار دولار في قطاع التعدين الكونغولي.

وسيتركز نشاط الشركة الأميركية في المرحلة الأولى على البحث عن رواسب الليثيوم في مانونو، التي تُعد من أكبر الرواسب في العالم، ويصنّف الليثيوم عنصرًا أساسيًّا في صناعة البطاريات وتقنيات الطاقة الخضراء، ما يجعله ذا أهمية إستراتيجية للأسواق العالمية.

وبالإضافة لمناجم مانونو، ستعمل الشركة الأميركية على إطلاق برامج واسعة النطاق للتنقيب في أنحاء البلاد، معتمدة على تقنيات متطورة بإمكانها تحديد الرواسب عالية القيمة.

وشمل الاتفاق الموقع بين الحكومة المركزية في كينشاسا والشركة الأميركية، التزام الأخيرة القيام برقمنة الأرشيف الجيولوجي للبلاد، المحفوظ حاليا في المتحف الملكي لأفريقيا الوسطى في بلجيكا.

وتعتزم كوبولد ميتالز التقدم بطلبات للحصول على تصاريح استكشاف تغطي أكثر من 1600 كيلومتر مربع، وبينما اعتبر المسؤولون الكونغوليون الاتفاق الجديد فرصة استثمارية كبيرة، أثار البعض مخاوف أخرى من الاستغلال الأجنبي للثروة المحلية، حيث يتم استخراج الكثير من الموارد من دون أن ترجع بفائدة تذكر على اقتصاد البلاد الذي يعاني من عديد الأزمات.

Admin

القرن الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات: مؤسسة بحثية مستقلة، تأسست عام 2020 تقوم على إعداد البحوث والدراسات والتقديرات وأوراق السياسات، وتنظيم الفعاليات العلمية والأكاديمية وتقديم الاستشارات حول التفاعلات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية في منطقة القرن الأفريقي، وما يرتبط بها من تفاعلات إقليمية ودولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى